ولكنه عرضك ومروءتك فإنما مروءة الرجل أخوانه وأخدانه فإن عثر الناس على أنك قطعت رجلاً من أخوانك وإن كنت معذراً نزل ذلك عند أكثرهم بمنزلة الخيانة للإخاء والملال وإن أنت صبرت مع ذلك على مقارنة على غير الرضا عاد ذلك إلى العيب والنقيصة فاتئاد الاتئاد والتثبت التثبت.
إذا نظرت في حال من ترتئيه لإخائك فإن كان من أخوان الدين فليكن فقيهاً ليس بمراء ولا حريص وإن كان من أخوان الدنيا فليكن حراً ليس بجاهل ولا كذاب ولا شرير ولا مشنوع فإن الجاهل أهل لأن يهرب منه أبواه وأن الكذاب لا يكون أخاً صادقاً لأن الكذب الذي يجري على لسانه إنما هو من فضول كذب قلبه وإنما سمي الصديق من الصدق وقد يتهم صدق الكلب وإن صدق اللسان فيكف إذا ظهر الكذب على اللسان وأن الشرير يكسبك العدو ولا حاجة لك في صداقة تجلب العداوة وأن المشنوع شانع صاحبه.
تحرز من سكر السلطة وسكر العلم وسكر المنزلة وسكر الشباب فإنه ليس من هذا شيء إلا وهو ريح جنة تسلب العقل وتذهب الوقار وتصرف القلب والسمع والبصر واللسان عن المنافع.
اعلم أن انقباضك عن الناس يكسبك العداوة وأن تفرشك لهم يكسبك صديق السوء وفسولة الأصدقاء أضر من بغض الأعداء فإنك إن واصلت صديق السوء أعيتك جرائره وإن قطعته شانك اسم القطيعة وألزمك ذلك من يرفع عيبك ولا ينشر عذرك فإن المعايب تنمى والمعاذير لا تنمى.
البس للناس لباسين ليس للعاقل بد منهما ولا عيش ولا مروءة إلا بهما لباس انقباض واحتجاز تلبسه للعامة فلا تلفين إلا متحفظاً متشدداً متحرزاً مستعداً ولباس انبساط واستئناس تلبسه للخاصة من الثقات فتتلقاهم ببنات صدرك وتفضي إليهم بموضوع حديثك وتضع عنك مؤونة الحذر وتحفظ فيما بينك وبينهم وأهل هذه الطبقة الذي هم أهلها قليل لأن ذا الرأي لا يدخل أحداً من نفسه هذا المدخل إلا بعد الاختبار والسبر والثقة بصدق النصيحة ووفاء العقل.
اعلم أن لسانك أداة مغلبة عليه عقلك وغضبك وهواك وجهلك فكل غالب عليه مستمتع به وصارفه في محبته فإذا غلب عليك عقلك فهو لك وإذا غلب عليه شيء من أشباه ما سميت