إصلاحه من أمر من حسبك أو مثالب آبائك أو عيب أخوانك ثم اجعل ذلك كله نصب عينيك واعلم أن عدوك مريدك بذلك فلا تغفل عن التهيؤ له والإعداد لقوتك وحجتك وحيلتك فيه سراً وعلانية فأما الباطل فلا تروعن به قلبك ولا تستعدن به ولا تشتغلن به فإنه لا يهولك ما لم يقع وإذا وقع اضمحل.
اعلم أنه قلما بده أحد بشيء يعرفه من نفسه وقد كان يطمع في إخفائه عن الناس فيعيره به معير عند السلطان أو غيره إلا كاد يشهد به عليه وجهه وعيناه ولسانه للذي يبدو منه عند ذلك والذي يكون من انكساره وفتوره عند تلك البداهة فاحذر هذه وتصنعها وخذ أهبتك لبغتاتها.
اعلم أن من واقع الأمور في الدين وأنهكها للجسد وأتلفها للمال وأضرها بالعقل وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار الغرام بالنساء ومن البلاد على المغرم بهن أن لا ينفك يأجم ما عنده وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن. وإنما النساء أشباه وما يرى في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهن على معروفاتهن باطل وخدعة بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه وإنما المترغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس كالمترغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضلاً وتفاوتاً مما في رحالهم من النساء. ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس في لبه يرى المرأة من بعيد ملتففة في ثيابها فيصور لها في قلبه الحسن والجمال حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية ولا خبر مخبر ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح وأدم الدمامة فلا يعظه ذلك عن أمثالها ولا يزال مشغوفاً بما لم يذق حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة لظن أن لها شأناً غير شأن ما ذاق وهذا هو الحمق والشقاء ومن لم يحم نفسه ويظلفها ويجلها عن الطعام والشراب والنساء في بعض ساعات شهوته وقدرته كان أيسر ما يصيبه من وبال أمره انقطاع تلك اللذات عنه بخمود نار شهوته وضعف عوامل جسده وقل من تجد إلا مخادعاً لنفسه في أمر جسده عند الطعام والشراب والحمية والدواء وفي أمر مروءته عند الأهواء والشهوات وفي أمر دينه عند الريبة والشبهة والطمع.
إن استطعت أن تنزل نفسك دون غايتك في كل مجلس ومقام ومقال ورأي وفعل فافعل فإن