للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رفع الناس إياك فوق المنزلة التي تحط إليها نفسك وتقربهم إياك في المجلس الذي تباعدت عنه وتعظيمهم من أمرك ما لم تعظم وتزيينهم من كلامهم ورأيك ما لم تزين هو الجمال.

لا يعجبنك العالم ما لم عالماً بمواضع ما يعلم. إن غلبت على الكلام وقتاً فلا تغلبن على السكوت فإنه لعله يكون المراء واعرفه ولا يمنعنك حذر المراء من حسن المناظرة والمجادلة واعلم أن المماري هو الذي لا يحب أن يتعلم ولا يتعلم منه فإن زعم زاعم أنه إنما يجادل في الباطل عن الحق فإن المجادل وإن كان ثابت الحجة ظاهر البينة فإنه يخاصم إلى غير قاض وإنما قاضيه الذي لا يعدو بالخصومة إلا إليه عدل صاحبه وعقله فإن آنس أو رجا من صاحبه عدلاً يقضي به على نفسه فقد أصاب وجه أمره وإن تكلم على غير ذلك كان ممارياً.

إن استطعت أن لا تخبر أخاك عن ذات نفسك بشيء إلا وأنت محتجن عنه بعض ذلك التماساً لفضل الفعل على القول واستعداداً لتقصير فعل إن قصر فافعل واعلم أن فضل الفعل على القول زينة وفضل القول على الفعل هجنة وإن أحكام هذه الخلة من غرائب الخلال.

إذا تراكمت الأعمال عليك فلا تلتمس الروح في مدافعتها بالروغان منها فإنه لا راحة لك إلا في إصدارها وأن الصبر عليها هو يخففها وأن الضجر منها هو يراكمها عليك فتعهد من ذلك في نفسك خصلة قد رأيتها تعتري بعض أصحاب الأعمال أن الرجل يكون في أمر من أمره فيرد عليه شغل آخر ويأتيه شاغل من الناس يكره تأخيره فيكدر ذلك بنفسه تكدير يفسد ما كان فيه وما ورد عليه حتى لا يحكم واحداً منهما فإن ورد عليك مثل ذلك فيكن معك رأيك الذي تختار به الأمور ثم اختر أولى الأمرين بشغلك فاشتعل به حتى تفرغ منه ولا يعظمن عليك فوت ما فات وتأخير ما تأخر إذا أعملت الرأي معمله وجعلت شغلك في حقه.

اجعل لنفسك في كل شيء غاية ترجو القوة والتمام عليها واعلم أنك إن جاوزت الغاية في العبادة صرت إلى التقصير وإن جاوزتها في حمل العلم صرت من الجهال وإن جاوزتها في تكلف رضا الناس والخفة معهم في حاجاتهم كنت المصنع المحشود.

اعلم أن بعض العطية لؤم وبعض البيان عي وبعض العلم جهل فإن استطعت أن لا يكون