الأطراف زبدة ما يعرف عن ارتقاء الصنائع وترتيب المصانع الإسلامية.
لم يتأت والإسلام في مبدأ ظهوره وشعشعته الأولى محصور في حدود شبه جزيرة العرب ولم ينتشر بعد في البلاد المجاورة أن ينشأ شيء من الصنائع في تلك الأصقاع المقفرة التي تطوفها العرب الرحالة على قلة مدنها وبلدانها ويقضي فيها التجار عيشة بسيطة خالية عن أبهة الحضارة. وكان المعبد العظيم في الحجاز عبارة عن مكعب من الصخر خال من الزينة وقد بقي زمناً طويلاً بدون سقف ثم غطي بسقف من الخشب على يد عامل من القبط نجا من سفينة يونانية غرقت فألقته الأقدار في بلاد العرب وجذبته مكة إليها لأحوال فغير معلومة. وكانت القوافل عند عودتها من سورية وقد سرحت الطرف في المصانع العظيمة فيها على العهد الإمبراطوري تقص أحاديث عجيبة مما رأت فأشربت نفوس الشعب تلك القصص وكان منها أن أنشئوا في صحاري شمالي بلاد اليمن جنات النعيم وهي إرم ذات العماد الغريبة وقد بًنيت في غالب الظن على مثال دمشق وتدمر وبعلبك وكانت العرب الرحالة ترى أن القبور التي نحتها في الصخر في مدائن صالح جماعة من المستعمرين الآراميين في صميم بلاد العرب أنها بيوت الثموديين وذكرها محمد (عليه السلام) بأن الغضب الإلهي نالها لأنها أنكرت لأأن ناقة صالح غير مقدسة. وكانت المصانع التي خلفتها الشعوب القديمة البائدة تنسب إلى عاد ممن بادوا فلم يبقوا من الآثار غير ما خلفوه من أعمالهم التي حيرت عقول البدو.
أما الآن فليتمثل القارئ الفاتحين العرب يجولون في أكناف سورية ومصر وفارس وافريقية الشمالية وإسبانيا وكلها بلاد متحضرة مملوءة ببدائع الصنائع وأعمال الهندسة. ولكم كان العربي الرحالة يندهش عندما كان يقع نظره على بيوت ذات ثلاث طبقات في مكة ويثرب فتترآى له أنها قلاع وهو لا عهد له من قبل إلا بخيمته السوداء أو الدكناء المصنوعة من وبر العنز. وبعد أن كان المسجد البسيط الذي يسع النبي وأصحابه وهو عبارة عن كوخ خال من الزخرف مبني باللبن وجذوع النخل ليس فيه ساف من الحصا على التراب المرصوص ظهر للحال بأنه غير كاف لاستيعاب جمهور من دانوا بالإسلام وغير لائق بأن يكون بيت الواحد الأحد. وزد على ذلك فإن الفاتحين من المسلمين كانوا يشاهدون الكنائس الجميلة التي أنشأها المتقون من النصارى ويقابلون بين التأنق فيها وبين شقائهم في سكنى