اكتفى الخلفاء الأول بأن سكنوا بيوتهم التي يأوون إليها كما فعل أباطرة رومية الأول لأن المسجد كان لهم ميداناًُ ومحكمة وندوة. ولما صار الأمر إلى معاوية طمحت بهم نفوسهم إلى اتخاذ القصور يعمدون إليها ليستروا فيها غفلتهم وبذخهم وزهوهم.
فبالهندسة بدأ نمو الصنائع التي دعا إليها الفتح الإسلامي وما كان للعرب صنائع خاصة بل استخدموا باديء بدء من المهندسين وأرباب الصنائع من وجدوهم في البلاد التي افتتحوها فكان أسلوب البناء الإسلامية في الأمر سورياً في سورية وقبطياً في مصر وبيزنطياً في آسيا الصغرى ورومانياً بربرياً في أفريقية ورومانياً أيبرياً في إسبانيا وبارتياً وساسانياً في فارس وبين النهرين.
رأينا صوراً من الهندسة الآسياوية تنقل إلى البلاد المغلوبة على أمرها عند ما كان الشرق أولاً ميداناً للفاتحين. وأنك لتشاهد في أقدم المصانع المنقوشة المزينة فقي المغرب والمسجد الأعظم في قرطبة ومسجد سيدي عقبة في القيروان مسحة من الزينة الشرقية نقلها إليها صناع صحبوا الفاتحين أو نسجت على مثال صور الأقمشة والزرابي المطرزة والبسط المجلوبة من الشرق.
ومن مميزات الهندسة الإسلامية القبة ذات الشكل البيضوي وهي منقولة بلا مراءٍ عن أصل جاء من بين النهرين أي آشوري بابلي. وقد بقي منها نموذج سالم من الصورة البارزة في قيونجق زمن الدولة الساسانية كما هو المشاهد في صور أقواس المدائن وساروستان وفيروز آباد فتبين بهذا أن ماضي الهندسة الإسلامية كان عظيماً والتمدن الإسلامي جدد استعمالها. وإنا لنجد منارات جوامع سامر وابن طولون في القاهرة أبراجاً ذات أدراج على شكل حلزوني وبعيد أن لا نعترف فيما رأيناه بأنها بقايا من معابد رصد الأفلاك الكلدانية التي نجد برج بابل مثالاً مشهوراً منها.
رأت العرب في سورية ومصر الصناعة البيزنطية ودرسوها عن أمم وما هي إلا تشويه آسياوي للصناعة الرومية الرومانية أهم آثارها جامع أيا صوفيا في الأستانة. وبقيت الصناعة اليونانية آخذة في التبدل بعد فتوحات الاسكندر وظلت كذلك على أن خطر للملك قسطنطين أن ينقل عاصمة المملكة إلى ضفاف البوسفور ولا يخفى ما حدث من السرعة