اختلافاً كلياً فإن القطع العديدة التي بقيت من آثار الغوط الغربيين واستخدمت في البناء تدلنا على أن المصانع المسيحية في إسبانيا قبل القرن الثامن كان لها أثر كبير في الهندسة العربية الأصلية.
والبحث في الهندسة الفارسية نافع على وجه خاص وذلك لأنها حفظت لنا تقاليد قديمة لها علاقة بالهندسة فأحسنت الانتفاع بها ورقتها وأكملتها. فإن بناء القباب كانت الطريقة التي اختيرت من بين أساليب البناء لقلة الخشب الذي يصلح للبناء في معظم أقطار تلك البلاد.
وبلغ من حذق الفرس الغريب أنهم يتمثلون لعينيك ذا نظرت إلى أبنيتهم كأنهم يلعبون بالمصاعب لعباً. ولم تبلغ أمة من الأمم مبلغهم في إيجاد طرق متنوعة غريبة في القباب على أشكال غير متناسقة إلا فرنسا فإنها قلدتهم في القرون الوسطى. وإلى الفرس يرجع الفضل في اختراع المقرنصات وهي من الصنائع الغريبة ذات النقوش التي تستر البناء البارز المشبك. وأكثر ما فاقت به فارس تفننها في تزيين الأبنية بالكاشاني (القيشاني وهو نقش رائع إلا أنه سريع العطب تبتهج العيون به ما دام الملاط (المونة) الذي يلصقه بالبناء الأصلي على حاله متماسكاً فإذا قلع لقلة العناية به وسقط وتناثر من آفات أصابته ودفن في الأرض نبت العيون عنه واستوحشت من النظر إليه.
وصناعة الكاشاني قديمة جداتً في البلاد الإيرانية فقد زين ملوك الأخمانيين قصورهم بنقوشها البديعة التي جعل بعضها في قاعات متحف اللوفر المظلمة ولا يزال يأسف على الهواء المضيء والشمس المشرقة في سهول فارس. وبدأ استعمال الكاشاني في فارس بعد ظهور الإسلام فيها فجعل القرميد أولاً محلى بالمينا في أطراف الأحجار مفصولاً من داخله بآجر أو بملاط من الجير والرخام ثم استعملوا نوعاً من البناء ملوناً مؤلفاً من قطع صغيرة مجزءاً موضوعاً بعضه بجانب بعض. كما فعلوا في أبنية الرخام أو الخشب في إيطاليا توصلاً إلى تزيينها بصفائح من الكاشاني على سطوح متسعة وقد شوهدت منذ القديم عندهم بنايات بارزة داخلها أزرق كالفيروز وأبيض كالعاج ويكثر انعكاس الأشعة التي تلمع فيها كلمعان السيوف كما تشهد في إمام زاده يحيى وفي ورامين وهو فقي القرن الثالث عشر. وأبنية أصفهان التي أنشئت على عهد الشاه عباس الأول أجمل مثال من هذه النقوش العجيبة وتتمة ارتقاء طويل في الصناعة. ويتيسر تتبع أدوار هذه الصناعة إذا بحث في