للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الألباب.

أما من يدعي لزوم السنة منهم فيجعل ما ليس له سنة سنة حتى يبلغ ذلك به إلى أن يسفك الدم بغير بينة ولا حجة الأمر الذي يزعم أنه سنة وإذا سئل عن ذلك لم يستطع أن يقول هُريق فيه دم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى من بعده. وإذا قيل له أي دم سفك على هذه السنة التي تزعمون قالوا: فعل ذلك عبد الملك بن مروان أو أمير من بعض أولئك الأمراء وإنما من يأخذ بالرأي فيبلغ به الاعتزام عن رأيه أن يقول في الأمر الجسيم من أمر المسلمين قولاً لا يوافقه عليه أحد من المسلمين ثم لا يستوحش لانفراده بذلك وإمضائه الحكم عليه وهو مقر أنه رأي منه لا يحتج بكتاب ولا سنة. فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه القضية والسير المختلفة فترفع إليه كتاب ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة أو قياس ثم نظر أمير المؤمنين في ذلك وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويعزم له عليه وينهى عن القضاء بخلافه وكتب بذلك كتاباً جامعاً عزماً لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكماً صواباً واحداً ورجونا أن يكون اجتماع السير قربة لإجماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه ثم يكون ذلك من إمام آخر، آخر الدهر إن شاء الله.

فأما اختلاف الأحكام إما شيءٌ مأثور عن السلف غير مجمع عليه يدبره قوم على وجه ويدبره آخرون على وجه آخر فينظر فيه إلى أحق الفريقين بالتصديق وأشبه الأمرين بالعدل. وأما رأي أجراه أهله على القياس فاختلف وانتشر ما يغلط في أصل المقايسة وابتدأ أمر على غير مثاله. وإما لطول ملازمته القياس فإن من أراد أن يلزم القياس ولا يفارقه أبداً في أمر الدين والحكم وقع في الورطات ومضى على الشبهات وغمض على القبيح الذي يعرفه ويبصره فأبى أن يتركه كراهة ترك القياس. وإنما القياس دليل يستدل به على المحاسن فإذا كان ما يقود إليه حسناً معروفاً أُخذ به وإذا قاد إلى القبيح المستنكر ترك لأن المبتغى ليس غير القياس يبغي ولكن محاسن الأمور ومعروفها وما ألحق ألحق بأهله. ولو أن شيئاً مستقيماً على الناس ومنقاداًَ حيث قيد لكان الصدق هو ذلك أولى أن يعتبر بالمقايس فإنه لو أرد أن يقوده الصدق لم ينقد إليه. وذلك أن رجلاً لو قال: أتأمرني أن أصدق فلا أكذب كذبة أبداً لكان جوابه أن يقول نعم ثم لو التمس منه قود ذلك فقال: أتصدق في كذا