أحدهما برجوع أهل الفساد إلى الصلاح وأهل الفرقة إلى الألفة والأمر الآخر أن لا يتحرك متحرك في أمر من أمور العامة إلا وعين ناصحة ترمقه ولا يهمس هامس إلا وأذن شفيقة تصيخ نحوه. وإذا كان ذلك لم يقدر أهل الفساد على تربيص الأمور وتلقيحها وإذا لم تلقح كان نتائجها بإذن الله مأموناً.
وقد علمنا علماً لا يخالطه شك أن عامة قط لم تصلح من قبل أنفسها ولم يأتها الصلاح إلا من قبل خاصتها. وأن خاصة قط لم تصلح من قبل أنفسها وأنها لم يأتيها الصلاح إلا من قبل إمامها. وذلك لأن عدد الناس في ضعفتهم وجهالهم الذين لا يستغنون برأي أنفسهم ولا يحملون العلم ولا يتقدمون في الأمور فإذا جعل الله فيهم خواص من أهل الدين والعقول ينظرون غليهم ويسمعون منهم اهتمت خواصهم بأمور عوامهم وأقبلوا عليه بجد ونصح ومثابرة وقوة جعل الله ذلك صلاحاً لجماعتهم وسبباً لأهل الصلاح من خواصهم وزيادة فيما أنعم الله به عليهم وبلاغاً إلى الخير كله. وحاجة الخواص إلى الإمام الذي يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك فبالإمام يجمع الله أمرهم ويكبت أهل الطعن عليهم ويجمع رأيهم وكلمتهم ويبين لهم عند العامة منزلتهم ويجعل لهم الحجة والأيد والمقال على من نكب عن سبيل حقهم. فلما رأينا هذه الأمور ينتظم بعضها ببعض وعرفنا من أمر أمير المؤمنين ما بمثله جمع الله خواص المسلمين على الرغبة في حسن المعاونة والمؤازرة والسعي في صلاح عامتهم طمعنا لهم في ذلك يا أمير المؤمنين وطمعنا فيه لعامتهم ورجونا أن لا يعمل بهذا الأمر أحد إلا رزقه الله المتابعة فيه والقوة عليه. فإن الأمر إذا أعان على نفسه جعل للقائل مقالاً وهيأ للساعي نجاحاً. ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو رب الخلق وولي الأمر يقضي في أمورهم يدبر أمره بقدرة عزيزة وعلم سابق فنسأله أن يعزم لأمير المؤمنين على المراشد ويحصنه بالحفظ والثبات والسلام ولله الحمد والشكر.
تحميد لابن المقفع
الحمد لله ذي العظمة القاهرة والآلاء الظاهرة الذي لا يعجزه شيءٌ ولا يمتنع منه ولا يُدفع قضاؤه ولا أمره وإنما يقول إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. والحمد لله الذي خلق الخلق بعلمه ودبر الأمور بحكمه وأنفذ فيما اختار واصطفى منها عزمه بقدرة منه عليها وملكة منه لها لا معقب لحكمه ولا شريك له في شيء من الأمور يخلق ما يشاء ويختار ما