بعدما يتأنقون لها في العمارة ويرجون لها فضل ما تعمل أيديهم. فسيرة العمال فيهم إحدى اثنتين إما رجل أخذ بالخرق والعنف من حيث وجد وتتبع الرجال والرساتيق بالمغالاة ممن وجد، وإما رجل صاحب مساحة يستخرج ممن زرع ويترك من لم يزرع فيعمر من عمر ويسلم من أخرب مع أن أصول الوظائف على الكور لم يكن لها ثبت ولا علم وليس من كورة إلا وقد غيرت وظيفتها مراراً فخفيت وظائف بعضها وبقيت وظائف بعض فلو أن أمير المؤمنين أعمل رأيه في التوظيف على الرساتيق والقرى والأرضين وظائف معلومة وتدوين الدواوين بذلك وإثبات الأصول حتى لا يؤخذ رجل إلا بوظيفة قد عرفها وضمنها ولا يجتهد في عمارة إلا كان له فضلها ونفعها لرجونا أن يكون في ذلك صلاح للرعية وعمارة للأرض وحسم لأبواب الخيانة وغشم العمال. وإذا رأي مؤونته شديدة ورجاله قليل ونفعه متأخر. وليس بعد هذا من أمر الخراج غلا رأي قد رأينا أمير المؤمنين أخذ به ولم نره من أحد قبله من تخير العمال وتفقدهم والاستعتاب لهم والاستبدال بهم.
ومما نذكر به أمير المؤمنين جزيرة العرب من الحجاز واليمن واليمامة وما سوى ذلك أن يكون من رأي أمير المؤمنين إذا سنحت نفسه عن أموالها من الصدقات وغيرها أن يختار لولايتها الخيار من أهل بيته وغيرهم لأن ذلك من تمام السيرة العادلة والكلمة الحسنة التي قد رزق الله أمير المؤمنين وأكرمه بها من الرأي الذي هو بإذن الله حمى ونظام لهذه الأمور كلها في الأمصار والأجناد والثغور والكور. إن الناس من الاستخراج والفساد ما قد علم أمير المؤمنين وبهم حاجة إلى تقويم آدابهم وطرائقهم ما هو أشد من حاجتهم إلى أقواتهم التي يعيشون بها وأهل كل مصر وجند أو ثغر فقراء إلى أن يكون لهم من أهل الفقه والسنة والسير والنصيحة مؤدبون مقومون يذكرون ويبصرون الخطأ ويعظون عن الجهل ويمنعون عن البدع ويحذرون الفتن وينتقدون أمور عامة من هو بين أظهرهم حتى لا يخفى عليهم منها مهم ثم يستصلحون ذلك ويعالجون على ما استنكروا منه بالرأي والرفق والنصح ويرفعون ما أعياهم إلى ما يرجون قوته عليهم مأمونين على سير ذلك وتحصينه بصراء بالرأي حين يبدو أو أطباء باستئصاله قبل أن يتمكن. وفي كل قوم خواص رجال عندهم على هذا معونة إذا صُنعوا لذلك وتلطف لهم وأُعينوا على رأيهم وقووا على معاشهم ببعض ما يفرغهم لذلك ويبسطهم له. وخطر هذا جسيم في أمرين