تزكي ذلك غبن وإضاعتي إياه جهل لأن التارك للحظ داخل في الغبن والعائد عن الرشد موجف إلى الغي فارغب من ودي فيما رغبت فيه من دوك فإني لم أدع شيئاً أستتلي به منك الرغبة وأجتر به منك المودة إلا وقد اقتدت إليك ذريعته وأعملت نحوك مطيته لترى حرصي على مودتك ورغبتي في مؤاخاتك والسلام.
جواب من يحيى بن زياد في صفة الإخاء:
أما بعد فإنا لما رأينا موضع الإخاء ممن يحتمله في تأنيسه من الوحشة وتقريبه لذي البعدة ومشاركته بين ذوي الأرحام في القربة لم نرض بمعرفة عينه دون معرفة نسبته فنسبنا الإخاء فوجدناه في نسبته لا يستحق اسم الإخاء إلا بالوفاء فلما انتقلنا عنه إلى الوفاء فنسبناه انتسب لنا إلى الصبر فوجدناه محتوياً على الكرم والنجدة والصدق والحياء والنجابة والزكانة وسائر ما لا يأتي عليه العدد من المحامد ثم انحدرنا فيما أصعدنا فيه من هذا النسب فعدنا إلى الإخاء فوجدناه لا يقوم به إلا من هذه الخصال كلها أخلاقه. ولما استوجب الإخاء مسالك المحمدة كلها رأينا أن نتخير له المواضع في صواب التوزير وأحكام التقدير وعلمنا أن الاحتباس به أحسن من الندم بعد بذله واستوجب إذا كان جماع المحامد أن نتخير له محامله التي كان يحمل عليها فكان الناس فيما احتسبنا به عنهم من الإخاء على صنفين فصنف عذرونا بالتحبس للتخير إذ كان التخير من شأنهم وصنف هم ذوو سرعة إلى الإخاء وسرعة في الانتهاء فقدموا اللائمة واستعجلوا بالمودة وتركوا باب التروية واستحلوا عاجل المحبة ولهوا عن آجل الثقة فكانوا بذلك أهل لائمة ولم يجد المعذورون إلا الصبر على تلك والاستعمال الرأي والاستعداد بالعذر عند المحاجة. وقد فهمت كتابك إليّ بالمودة واسحثاثك إياي في الأخوة وما دنوت به من حرمة المحبة فنازعت إليك نفسي بمثل الذي نازعت به إليَّ نفسك فواثبتني عادة الاستعمال للتروية في الخبرة والتخير للمغبة فجلت عن كتابك جولة غير نافرة ثم راجعت مقاربتك فقلت ألقى إليَّ أسباب المودة قبل كشف الغطاء بالخبرة فخشيت أن تعذر نفسك بالتقدم وتحدث الزهادة للتعسف بالجهالة عند الخبرة فجلت عن هذا جولة كالجولة الأولى ثم عاودت إسعافك وطاعة التشوق ومعصية التحيز ثم قلت ما حال من جعل الظن دون اليقين والتقدم قبل الوثيقة فلما كان الرأي لي خصماً تنكبت الوقوع في خلافه فلم أجد إلا الإدبار عن إقبالك سبيلاً ولا مع ذلك في طاعة الشوق حجة