ذلك واجب مقدس يتحتم علينا جميعاُ أن نقوم به لخيرنا جميعاً: فكل فرد منا هو في الحقيقة خادم للمجموع كما أن المجموع يتكفل بخدمة كل فرد على السواء.
دعاني ولو الفضل الدين تتألف منهم هذه الجمعية جمعية الرابطة المسيحية لأقف خطيباً بينكم وتركوا لي اختيار الموضوع كما أشتهي وأريد. فلم أر أفضل من المثول بين قومي وهم بنو أمي وبنو عمي داعياً إلى انضمام العنصرين اللذين يتألف منهما كيان الأمة المصرية راجياً أن يقوم غيري من الخطباء المفوهين فينسجون على هذا المنوال حتى نتوصل لتقويض دعائم التفريق التي جعلتنا مضغة في الأفواه وصيرتنا عبرة للناظرين.
لا ينبغي لي أن أقول أن المقام ضيق وأن المركز حرج لأني وجدت مجال القول ذا سعة ولكن هذه السعة كانت سبباً في حيرتي فصرت أتردد وأردد المثل السيار الذي ضربه الفرنساويون وهو: إنما الحيرة في الاختيار.
بيد أني بعد إنعام النظر رأيت أن أجعل خطابي على شكل محاضرة في صور مفاكهة أجاذبكم بها الحديث بذكر نوادر وأخبار حفظها التاريخ. وليس لي من أمل سوى أن نتوصل لجعل الأخلاف يرددون عنا شيئاً شبيهاً بما سأذكره من مآثر الأسلاف فيكون لنا لسان صدق في الآخرين: إذ يشتركون مع أرواحنا بسلام واغتباط في تحية هذا اليوم الذي هو باكورة الارتباط بين المسلمين والأقباط.
ليس لهما إلا أم واحدة: هي مصر. وليس لهما إلا أب واحد: هو النيل. فهما صنوان بل شقيقان قد فرق بينهما الزمان حينما فسدت الأخلاق وتنكرت المعارف في هذه البلاد فتحكم فيهما الأجنبي والطاريء والدخيل سواء كانوا من هذا الدين أو من ذلك الدين.
بل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: أن لا نقول بغير الوطن وأن لا نفزع لغير الجامعة القومية. هذا تاريخنا وتاريخكم يشهد لأجدادنا وأجدادكم ويشهد علينا وعليكم. فما بالنا لا نرجع لسنة الأسلاف وقد كان فيها مجدنا ومجدكم؟.
سيقولون أن المسلمين اضطهدوا الأقباط. كبرت كلمة تخرج من أفواههم فكلها أغلاط في أغلاط.