للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها) وكان مع الواثق قضبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد. فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه وقال: قم يا مشؤوم عن يميني. فقال يوحنا: يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال. يوحنا أبوه ماسويه الخوزي. وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم وأقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم حتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله. فمن أعظم المحال أن يكون هذا مشؤوماً. ولكن إن أحب الأمير أن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته فقال من هو؟ فقال: من ولده أربعة خلفاء ثم ساق الله إليه الخلافة، فترك الخلافة وقصورها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعاً في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه. ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم وهم صيادو السمك فماذا فعل الخليفة؟ نجع فيه الكلام ولكن تشاغل مدة ثم قال ليوحنا وهو على ذلك الدكان: يا يوحنا ألا أعجبك من خلة؟ قال: وما هي؟ قال: إن الصياد ليطلب الصيد مقدار ساعة فيصيد من السمك ما يساوي ديناراً وما أشبه ذلك وأنا أقعد منذ غدوة إلى الليل فلا أصيد ما يساوي درهماً فقال يوحنا: يا أمير المؤمنين وضع التعجب في غير موضعه. إن الله جعل رزق الصياد من صيد السمك. فرزقه يأتيه لأنه قوته وقوت عياله. ورزق أمين المؤمنين بالخلافة فهو غنيٌ عن أن يرزق بشيء من السمك. فلو كان رزقه من الصيد لوافاه مثل ما يوفي الصياد.

ومثل ذلك ما حدث للمتوكل الذي تولى الخلافة بعد الواثق هذا. فقد جرى على سنة أسلافه في تعظيم أهل الفضل مهما كانت عقيدتهم. كان الطبيب يختيشوع إذا دخل عليه في داره الخاصة جلس بجانبه على السدة: وهي منزلة لم يصل إليها وزير من المسلمين. فاتفق يوماً أن الخليفة رأى فتقاً في ذيل دراعة الطبيب وكانت من ديباج رومي. فأخذ يحادثه ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ حد النيفق (وهو الموضع المتسع في السراويل والقميص) ودار بينهما كلام اقتضى أن سأل المتوكل يختيشوع: بماذا تعملون إن الموسوس يحتاج إلى السد. فقال يختيشوع: إذا بلغ في فتق دراعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه. فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له بخلعة حسة ومال جزيل.

وكان يختيشوع هذا قد بلغ في أيام المتوكل العباسي من الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال مبلغاً يفوق الوصف مع كمال المروءة حتى أنه كان يباري