بيدها فكانت نشأتها في بلاد عني فيها بأمرها. فأنشأ ريشليو الوزير الفرنساوي المجمع العلمي وأنشأ لويز الرابع عشر مجمع العلوم والآثار وفروعه التي نشأ منها مجمع الفنون الجميلة.
اختلف بعضهم في فوائد المجامع العلمية ومما قاله رينان الفيلسوف الفرنسوي كثيراً ما يضعف صوت العلم النافع ويتضاءل أمام هجمة المهاجمين وقحة الدجالين. وللعلم صوت متى سكن ضجيج تلك الظواهر يظل ذلك الصوت يسمع فلا يعود أحد يسمع غيره ومن أجل هذا ترى المجامع العلمية على كثرة شكوى أهل الأفكار المنحطة منها فائزة بفضل الغلبة لأأنها حارسة حسن الترتيب الحقيقي وهي قليلة ولكنها مفلحة وليس لغير العقل سلطة تبقى. أهـ.
كانت المجامع العلمية الفرنسوية من أعظم المجامع التي نشأت في عواصم أوروبا وعليها نسج الناسجون وبمثالها اقتدى المقتدون.
نشأ المجمع العلمي الباريزي الذي هو مفخر من مفاخر الفرنسيس سنة ١٦٢٩ على يد بضعة أشخاص من أهل الطبقة الوسطى كانوا يجتمعون مرة أو مرتين في الأسبوع في منزل لافانتين كونرار أمين سر الملك فيتباحثون كأنهم في زيارة عادية في الأخبار والآداب وإذا ألف أحدهم كتاباً يعرضه على غيره عن طيب خاطر فيقولون فيه رأيهم بحرية وكانوا ثمانية رجال ومعظمهم من أهل الأدب ومن أرباب الذوق وأهل الشعور كما تدل عليه مصنفاتهم فمضى عليهم نحو أربع أو خمس سنين وهم يوالون اجتماعاتهم على هذا النحو والسرور شامل لهم والفائدة يقتطفون من ثمراتها كل جني هني فاتصل خيرهم بريشليو وقد نم على جمعيتهم الصغيرة أحد أصحابه ولعل هذا الوزير أراد أن يكون مرجعاً في كل شيء شأن كبار المستبدين فعرض عليهم إذا كانوا يحبون أن يجتمعوا اجتماعاً عاماً ويتألفوا جماعة وكان ذلك في أوائل سنة ١٦٣٤ فتردد أولئك المجتمعون أولاً ثم أجابوا دعوة ريسليو فدعاهم أولاً على تكثير سوادهم فبعد أن كانوا من تسعة إلى اثني عشر رجلاً أصبحوا ثمانية وعشرين ثم تفاوضوا في الشكل الذي يجري عليه المجمع وفي مواده وعمله وهو عبارة عن تحسين اللغة الفرنسوية وتأليف معجم لها وكتاب نحو وشعر وبيان لتعم اللغة الإفرنسية ويكون لها من الشأن كما كان في القديم للغتين اللاتينية واليونانية.