للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بي فأبى أن يأخذه واستلمته صاحبته. وبهذا التقدير يكون ثمن ما فيه من اللؤلؤ فقط نحواً من ثلاثين ألف جنيه مصري.

ومن المعلوم أن العلم من أجلّ الأمانات بين الناس وقد وقف بنا المقال في الجلسة الماضية عند نظرية جديرة بالاعتبار: وهي أن العلم مشاع وأنه ليس له وكن ولا دين بل هو مورد سائغ لكل الأفراد ولجميع الأمم. وقد أطرفتكم بشيء يسير مما وقع في تلك العصور وعصور الحكمة والنور إذ كان المسلمون يأخذون النصارى وغيرهم من أهل الديانات الأخرى وهؤلاء يأخذون عنهم ويتلقون عليهم ما يكسبون به أجراً وفخراً.

رأينا علماء النصارى واليهود يأخذون شرائع دياناتهم عن رجلين من فقهاء المسلمين ورأينا أفاضل المسلمين يسعون في طلب الحكمة والفلسفة والطب من نوابغ الذميين. وننتقل الآن على الفقهاء من الطوائف الثلاث الذين استبدلوا علوم الأبدان بعلوم الأديان كما سبق أعشى همدان إلى استبدال الشعر بالفقه فمنهم الإمام العالم الشيخ موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي المتوفى سنة ٦٠٤ فقد كان أول أمره فقيهاً في المدرسة الأمينية بدمشق عند الجامع الأموي ثم بدا له الاشتغال بالطب فأعاد نفسه دارساً بعد أن كان مدرساً ورجع تلميذاً بعد أن كان أستاذاً. واشتغل على الياس بن المطران بصناعة الطب حتى أتقن معرفتها وحصل علمها وعملها وصار من المتخرجين السابقين بين أربابها والمشايخ الذين يقتدى بهم فيها وأصبح هذا الفقيه سابقاً وله بعد تلك المجالس الفقهية مجلس عام للطب يحضره المشتغلون عليه بهذه الصناعة من المسلمين والنصارى واليهود.

وقد اشتهر رجل من فقهاء صقلية (من أعمال إيطاليا اليوم) بالطب بقدر ما اشتهر بالفقه حتى كان الناس يفزعون إليه بالفتيا في الطب كما كانوا يفزعون إليه بالفتيا في الفقه. هذا هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي التميميم المازري نسبة إلى مدينة مازر (بفتح الزاي والراء) من مدن جزيرة صقلية وقد اشتهر باسم الإمام. لأنه كان متقناً للعلوم مقدماً في علم المنطوق والمفهوم. وكان آخر المشتغلين بإفريقية (تونس) بتحقيق العلم ورتبة الاجتهاد ودقة النظر. توفي سنة ٥٣٦ وقد نيف على الثمانين. يحكى أن سبب اشتغاله بالطب أنه مرض فكان يطبه يهودي فقال له: يا سيدي أمثلي يطب مثلك فاشتغل الشيخ حينئذ بالطب وبرع فيه براعة لا يدانيه فيها أحد. فأين الآن هذه الأيام؟ وهل لنا بمثل أولئك الرجال