ترى التسامح مع المجتمعات الكافرة الشيطانية بأجمعها والترخيص لها بما تريد.
ومن أعظم ما امتاز به أهل هذه البلاد الجفاء والكبرياء وحب البيضاء والصفراء فيقصد كل فرد من أهلها إلى أن يكون حاكماً على غيره وظالماً متسلطاً لا يحيك فيه نصح الناصح، ولا يقنعه غير مدح المادح. قال توكفيل يظهر الأميركيون في صلاتهم مع الأجانب أنهم لا يحتملون أدنى انتقاد وينهمون للمديح فيستحسنون أقل مديح دقيق وفي النادر أن يرضيهم المديح العظيم وقال ستوارت ميل في معنى حبهم للمال: أن الأميركيين صنفان صنف يعنى بصيد الدولارات (الريالات الأميركية) وصنف يربي صيادين للدولارات. وقل في الأمم من يعبد الدينار ويتعبد به مثل هؤلاء الأميركيين وإذا رأيتهم حسبتهم لا يفكرون في غير الثروة والتبجح باختزان الدرهم.
ومعلوم أن المال لا يحصل إلا بالاكتساب والاكتساب لا يكون إلا بالحركة ولذلك عرف الأميركيون بالمضاء والحركة حتى قال فيلسوفهم أمرسون ونعم القول قوله: الإنكليزي أثبت الناس وقوفاً على قدميه وليس هذا النوع من الرزانة في السكون غاية ما يجب على المرء فإذا زاد هذا السكون في إنسان فسجل بأنه أميركي وأنك متى سألت أميركياً عن صحته يجبك بأنها في حركة عوضاً عن أن يقول لك إنها جيدة أو أنا في راحة. وقد خصت كل بلد من بلدانهم بمزية لا يضارعها فيها غيرها فامتازت شيكاغو بالصناعات وفيلادلفيا بالعلميات ونيويورك بالماليات وبيتسبورغ بالمعدنيات وهناك ترى ثروات لا تحصى تجتمع وتتفرق وأمجاداً تعلو وتسفل وكلها سائرة نحو التقدم آخذة في سنن النماء الذي ينسب الفضل في التوفر عليه أول مرة لرجل أميركا جورج واشنطون.
ولد واشنطون في مقاطعة فرجينيا سنة ١٧٣٢ ومات فيها سنة ١٧٩٩ وقد لقبه اللورد بايرون الشاعر الإنكليزي بسينسيناتوس المغرب لكثرة فضائله الشخصية. فقد كان بما خص به من قوة العقل واستقامة الإرادة حكيماً أكثر منه جندياً. فهو على التحقيق مؤلف قلوب أمة وقائد جماعة وزعيم عصابة. قال شاتوبريان الكاتب الفرنسي في كتابه الرحلة إلى أميركا ما نصه: ألق رائد الطرف في الغابات الغبياء التي لمع فيها سيف واشنطون تجد قبوراً بل تجد عالماً. فقد ترك واشنطون بلاد الولايات المتحدة غنيمة في ساحة قتاله. وكان على الجملة زعيم الحاجات والأفكار والمعارف والآراء في عصره قام بنصرة العقول