للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمره بإحضاره فلم يكن عنده منه إلا شيء يسير لأن الخلائق كانت قد تهافتت عليه فمضى إلى أصدقائه الذين أهداهم منه حتى جمع من وهناك أحد عشر درهماً وجعله في برنية من الفضة فاحتفظ عليها السلطان وكان يشكو من نزلة في أسنانه فما هو إلا أن وضع جزءاً صغيراً منه حتى زايله الألم وكأنه لم يكن.

أما إحياؤه الميت: فقد مرضت دار من بعض الآدر السلطانية (أعني إحدى حظايا السلطان فإن السر في السكان) وكانت مقيمة بناحية العباسية وكان الملك الكامل لا يشرك مع هذا الطبيب أحداً في مداواته وفي مداواة من يعز عليه من دوره وأولاده فانقطع للعناية بها أياماً. ثم عرض له ما أوجب عليه الرجوع إلى القاهرة لمدة ثمانية عشر يوماً ثم عاد لعيادة مريضته بالعباسية فوجدها قد تولى علاجها جماعة من الأطباء فاشترك معهم فحكموا بأنها تموت والمصلحة تقضي بإعلام السلطان قبل أن يفجأه أمرها بغتة فقال: إنها ليست عندي في مرض الموت فقال أكبرهم سناً (وكان رشيد الدين شاباً): إنني أكبر منك وقد باشرت من المرضى أكثر منك فتوافقني على كتابة هذه الرقعة. فأبى فقرَّ رأي الأطباء على كتابة الرقعة. فقال: لا أضع اسمي على هذه المطالعة. فلما وصل الخبر للسلطان بعث رسولاً ومعه بجار ليعمل لها تابوتاً تحمل فيه جثتها إلى القاهرة. فقال له الحكيم ما هذا النجار؟ قال لعمل التابوت. قال: تضعونها فيه وهي في الحياة؟ قال: بل بعد موته. قال: ارجع بهذا النجار وقل للسلطان عني خاصة أنها في هذه المرضة لا تموت. فلما كان الليل أرسل إليه السلطان بورقة بخطه يقول فيها: ابن الفارس يحضر إلينا (لأنه لم يكن بعد سمي بأبي حليقة) فلما وصل إليه قال له: أنت منعت من عمل التابوت؟ قال نعم. قال بأي دليل ظهر لك من دون الأطباء كلهم. قال: لمعرفتي بمزاجها وبأوقات مرضها على التحرير من دونهم وليس عليها بأس في هذه المرضة. فقال: امض وطبها واجعل بالك لها. فذهب وداواها حتى عوفيت ثم أخرجها للسلطان فزوجها وولدت من زوجها أولاداً كثيرين.

هؤلاء هم الثلاثة الذين أحيوا الموتى على ما وصل إليه علمي. أحدهم مصري وهو يهودي وثانيهم هندي استوطن بغداد وهو مسلم وثالثهم شامي استوطن مصر وهو نصراني. ولعلكم يا بني أمي ويا بني عمي ترشدونني إلى مسلم وقبطي في مصر قاما بهذه الكرامة أو أن يقوم فيكم من يجدد لنا ذكرها والافتخار بها.