لعل الشام ترضى؟ كأني بها تقول: مني خرج المسيح وهو الذي أحيا الموتى! أفلا تذكر لي طبيباً واحداً من هذا القبيل حتى لا أكون بين الفسطاط والزوراء لا في العير ولا في النفير.
كان بها فلاح يرتزق وراء المحراث في قرية يبرود صار اسمه فيما بعد أبا الفرج جرجس اليبرودي. رأى فاصداً قد التوى عليه سد العرق فتوالى الرُّعاف على المفصود. فقال له: يا هذا إني أرى أبي في وقت سقي الكرم إذا نفتح شق في النهر لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحاً آخر ينقص به الماء الأول الواصل إلى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك. ففعل الجرائحي بهذه الإشارة وانقطع الرعاف. ثم قال للفلاح: لو أنك تشتغل بالطب لجاء منك طبيب حاذق. فوقرت هذه الكلمة في صدره واقبل على التعلم بدمشق وما كفاه ما حصل عليه حتى أخذ سواراً كان لأمه وذهب إلى بغداد فأنفق ثمنه على استكمال العلم وصار من أكبر النوابغ في هذا الفن. رأى يوماً في سوق جيرون بدمشق إنساناً راهن على أن يأكل أرطالا من لحم فرس مسلوق مما يباع في السوق فوقف ورآه قد أمعن في الأكل بأكثر مما تحتمله قواه ثم شرب بعده فقاعاً كثيراً وماءً بثلج فاضطربت أحواله وتفرس إنه لابد أن يغمى عليه فيصير إلى حالة يكون الموت أقرب إليه أن لم يتلاحق فتبعه إلى منزله واستشرف إلى ماذا يؤول أمره فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجون بالبكاء ويزعمون إنه قد مات. فأتى إليهم وقال: أنا أبرئه وما عليه من بأس. ثم أنه أخذه إلى حمام قريب من ذلك الموضع وفتح فكيه كرهاً ثم سكب في حلقه ماءً مغلياً وقد أضاف إليه أدوية مقيئة لطيفة وقيأه برفق ثم عالجه وتلطف في مداواته حتى أفاق وعاد إلى صحته.
ولليبرودي هذا كرامة ثانية من هذا القبيل حكاها الطرطوشي في سراج الملوك:
مر رجل يبيع المشمش على خباز في دمشق فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار فلما فرغ سقط مغشياً عليه فنظروا فإذا هو ميت وقضى الأطباء كلهم بموته فغسله أهله وكفنوه وصلوا عليه. ثم خرجوا به إلى الجبانة فاستقبلهم اليبرودي صدفة على باب البلد وسمع الناس يلهجون بقضيته فقال: حطوه ثم أخذ يقلبه وينظر في إمارات الحياة التي يعرفها. ثم فتح فمه وسقاه أو حقنه فاندفع ما هناك فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته وأظنه تاب عن أكل المشمش ولو في المشمش. ولا شك أنه يصح لنا أن نقول عن