للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليبرودي أنه فلاح وفلح.

وبما أننا طرقنا باب الحياة بعد الموت فاسمحوا أن أنتقل بكم بطريق المجاز إلى عالم هو خير وأبقى. ثم نعود إلى هذه الدار بغاية التعجيل. فإنما كلامنا من باب المحاضرة والتمثيل ونحن اليوم في دار التمثيل.

كثيراً ما يمتعض النصارى إذا قال جهال المسلمين عن أحدهم أنه هلك أو أنه هالك وكأني بهم أشبه الناس بعلي بك كشكش. إذ رأى صغار العامة أنه يحرن ويحرد إذا قالوا له: كشكش فصاروا كلما رأوه يقولون له: كشكش كشكش كشكش حتى ضرب أحدهم بحجر فأدماه فأخذه الثؤر والثآرير على رأي الأستاذ البرقوقي والجلواز والجلاوزة على رأيي والشرطة على رأيكم والبوليس على رأينا جميعاً وساقوه كلهم إلى الحاكم فأخذ في تقريعه فقال له: لست بملوم يا سعادة الباشا. فقال: كيف ذلك. قال: صلّ على النبي. قال المحافظ: اللهم صل عليه. قال: زد النبي صلاة. قال: عليه الصلاة والسلام. قال: ثم زده صلاة: قال: صلى الله عليه وسلم. قال: كرر الصلاة فهي عبادة. فانفعل المحافظ وانتهر علي بك. فقال له: ويحك يا مولاي أنت حزنت من الصلاة على النبي وهي خير ما يتقرب به العبد إلى الرب فكيف بي وكلما مشيت خطوة سمعت كشكش كشكش كشكش.

تعلموا يا بني عمي أن كل حي إلى الممات يصير وأن هذا الانتقال إما أن يكون بفعل فاعل أو بحكم انتهاء الأجل. ففي الحالة الأولى يستعمل اللفظ الموافق لإزهاق الروح مثل قُتل، صلب، شُنق، خوزق، الخ. . أما في حالة الجهاد والاضطهاد عند المسلمين والنصارى فيقال: استشهد وتنيح. وفي الحالة الثانية يقالك مات وقبض وتوفي وهلك وحضرته الوفاة وغير ذلك من التعبيرات التي تتحلى بأنواع الكنايات.

نقطة الخلاف في هلك. ولا أكتمكم أنني مع هذه النقطة مثل بعض علماء النحو مع حتى: أعني أنني أهلك وفي نفسي شيء من هلك بل اللهم شيئان أولهما فلسفي اجتماعي وهو الذي نحن بصدده الآن فإنه أوجب انفراج الخلف وسوء التفاهم بين أبناء الوطن الواحد وثانيهما لغوي إذا أزحنا الريب العالق بسببه تبدد الأول وزال.

يقول أهل اللغة في هلك ويهلك (من باب منع وضرب) ثم تكرموا وسوغوا لنا أن نقول في الملك هلك بكسر اللام بشرط أن يكون المضارع مفتوحاً (يهلك) أي من باب علم. ثم