للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمرونا أن نقول في المصدر هلكاً (بضم الهاء) وهلاكاً (بفتحها) وتُهلوكاً وهُلوكاً (بضم أولهما) ومهلكة ومهلكاً وتهلكة (بتثليت اللام في الثلاثة) واللغة مثل العلم لا دين لها ولكنها قد تكون أيضاً وسيلة للتنطع والحذلقة والسفسطة.

ما هو معنى هلك بهذه التقعرات المتراكمة؟ قال الفيروز أبادي في القاموس. مات. وقال السيد مرتضى في تاج العروس ما نصه: مات تفسير لقوله هلك ولم يقيده بشيء لأنه الأكثر في استعمالهم. واختصاصه بميتة السوء عرف طارئ لا يعتد به بدليل ما لا يحصى من الآي والحديث أهـ. هذا هو المقر في متون اللغة وبطونها ولا أنكر أن اللغة شيء والاستعمال شيء آخر. فلننظر فيه أيضاً.

فهذا كتابنا يشهد علينا فقد جاء فيه: {كل شيء هالك إلا وجهه} {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك من بعده حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله رسولاً}. والأحاديث كثيرة وليس هذا محل إيرادها.

أما استعمال العرب فأكثر من أن يحصر ولكنني أمكتفي بشاهدين فذين أُعززهما بثالث. قال النابغة الجعدي في ملك العرب المنذر بن النعمان المكنى بأبي قابوس (تعريباً للفظة كيكاوس الفارسية):

فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... جميع الناس والبلد الحرام

وقال شاعر الإسلام في قيس بن عاصم وهو من أكابر الصحابة:

فما كان قيس هُلكة هلك واحدٍ ... ولكنه بنيان قوم تهدما

والوزن يساعد على قول موته موت واحد وهذا أحد المرشحين للخلافة من بني أمية يقول عن نفسه والأنانية طبيعة في الإنسان

فإن أهلك أنا وولي عهدي ... فمروان أمير المؤمنينا

وكان له مندوحة إذا قال: فإن أُقبض وهذا أبو نواس يقول عن سائر الناس:

ألا كل حيّ هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق

وكان له مندوحة واسعة أن يستعمل: ميت وميت ومائتين. وبعد فها هي كتب السلف الصالح بين أيدينا جميعاً. نرى المسعودي في مروج الذهب والتنبيه والإشراف يقول هلك