وزيادات يفتقر إليها فحررت منها ما يجب تحريره وأضفت غليها ما يتعين إضافته وذكرتها في كتابي المنعوت بالميزان في الترجيح بين كلام قدامة وخصومه. وعلمت أن هذا الباب من هذا الكتاب أحوج غليها من ذلك فأثبتها ها هنا بعد أن رأيت تقديم مقدمة يحتاج إليها ويجب الاعتماد عليها وهي أن الذي يجب على كل من كان له ميل إلى عمل الشعر وإنشاء النثر أن يعتبر أولاً نفسه ويمتحنها بالنظر في المعاني وتدقيق الفكر في استنبطا المخترعات إذا وجد لها فطرة سليمة وجبلة موزونة وذكاءاً وقاداً سمحاً وفكراً ثاقباً وفهماً سريعاًً وبصيرة مبصرة وألمعية مهذبة وقوة حافظة وقدرة حاكية وهمة عالية ولهجة فصيحة وفطنة صحيحة.
ولو كانت بعض هذه الأوصاف غير لازمة لرب الإنشاء ولا يضطر إليها أكثر الشعراء لكنها إذا أكملت الشاعر والكاتب كان موصوفاً في هذه الصناعة بكمال الأوصاف النفسية التي إذا أضيفت لها الصفات الدرسية تكمل وتجمل من حفظ اللغات العربية وتوابعها من العلوم الأدبية كالنحو والتصريف والعروض والقوافي وما سومح به الشعراء من الضرورات التي يلجيء إليها ضيق الوزن والتزام التقفية ليعلم بما يجوز له استعماله وما يجب عليه إهماله ولينعم النظر في كتب البلاغة ليعرف محاسن اللفظ مفرداً وتركيباً ومعانيه ويحيط بما يتفرع من أصول النقد في البديع الذي هو رقوم الكلام ونتائج مقدمات الإفهام.
وليجعل عمدته على كتاب الله العزيز وليميز إعجازه وأدق تمييز فإنه البحر الذي لا تفنى عجائبه ولا يظمأ فيه راكبه. منها استخرجت درر المحاسن واستنبطت عيون المعاني وعرف كنه البلاغة وتحقق سر الفصاحة وكذلك سنة الرسول عليه السلام. . وليحفظ أشعار العرب وأمثالها وأنسابها وأيامها وسائر أخبارها ومحاسن آثارها ومقاتل فرسانها الأنجاد ونوادر سمحائها الأجواد ولا غنى به عن معرفة النجوم والأنواء وعلم هيئة السماء وتعقل الآثار العلوية والحوادث الرضية والمشاركة في الطب والطبائع والحساب وما يحتاج إليه الكتاب من الفقه والحديث ونقل التاريخ الصحيح. ويكون ذلك المكتسب من وراء أشياء لا تكتسب ولا تحصل بالطلب بل هي مما يجبل عليه الإنسان من مواهب الرحمن من عقل راجح وذهن صاف ورأي سديد ينتج ذلك مزاج معتدل فيحسن اختياره