ويجود انتخابه فيتخير الألفاظ الرقيقة والمعاني الرشيقة ويتقن تأليف الكلام وتركيب الألفاظ وما بإيراد أبيات قلتهن في هذا المعنى من بأس وهي:
انتخب للقريض لفظاً رقيقاً ... كنسيم الرياض في الأسحار
فإذا اللفظ رق شفَّ عن ال ... معنى فأبداه مثل ضوء النهار
مثل ما شفت الزجاجة جسيماً ... فاختفى لونها بلون العقار
هذا إن أراد أن يُنعت فاضلاً أو يسمى أديباً كاملاً فتعلو بين العلماء درجته وتطير بين الفضلاء سمعته ويقل فتوره في لفظ الكلام ومعناه. وليحذر من أن يقف خاطره بسبب معاندة الزمان وتواتر ضروب الحدثان وتعذر المكسب وعز المطلب وتقدم الجهال واختصاص الأرزال بالأموال فيكون ذلك داعياً له إلى ترك الاشتغال وسبباً في فتور عزمه عن تحصيل العلوم وذريعة لقعوده عن رياضة نفسه واستعمال خاطره فيلحق بالأخسرين أعمالاً والمخطئين أفعالاً وأقوالاً. بل يكون اجتهاده في ذلك اجتهاد راغب في الأعمال شديد الأنفة من مساواة الجهال عاشق في تزكية نفسه مايل للتقدم بنفس العلم على أبناء جنسه وما أحسن قول القائل:
تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس علم كمن هو جاهل
وإن كبير العلم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ولا بد للمجتهد من يوم يحمد فيه عاقبة اجتهاده ويحصل فيه على مراده وإن كان قصير الهمة مهين النفس قد أوتي طبعاً في العمل سليماً وذهناً مستقيماً فظن أنه يستغني بذلك عن الاشتغال ويبعد عن مماثلة الجهال إدلالاً بطبعه واتكالاً على حذقه واتكالاً على حذقه كأكثر شعراء زماننا وكتابه المنتظمين في سلك آدابه حاشا من احتفل بالأدب احتفالاً أوجب لذوي الآداب الانتفاع بهذا الكتاب فلا يأنف من عرض ما يسمح به خاطره على من يحسن الظن بمعرفته ويتحقق أن مرتبته في العلم فوق مرتبته ولا يهمل ذلك فإن خطره عظيم وفوق كل ذي علم عليم. وإن كنت في ذلك كمن يصف الدواء ولا يستعمله ويأمر بالمعروف ولا يمتثله غير أني أنهج الطريق وأحض على التوفيق لتحصل لي مثوبة الدلالة وأكسب أجر الهداية فإن الدال على الخير كفاعله والمحرض على العمل كعامله.
ويعتمد الراغب في نظم الشعر وإنشاء النثر في وقت العمل على وصية الإمام أبي تمام