للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي وعدت سلفاً بنشرها وهذا أوان ذكرها وهي ما أخبر به الثقة عن أبي عبادة البحتري الشاعر أنه قال: كنت في حداثتي أروم الشعر وكنت أرجع فيه على طبع سليم ولم أكن وقفت على تسهيل مأخذه ووجوه اقتضابه حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت على تعريفه عليه فكان أول ما قال لي يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حصتها من الراحة وقسطها من النوم وخف عنها ثقل الغذاء وصفا من أكثر الأبخرة والأدخنة جسم الهواء وسلبت الغماغم ورقت النسائم وتغنت الحمائم وتغن بالشعر فإن الغناء مضماره الذي يحسن فيه.

اجتهد في الإيضاح فإن أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقاً والمعنى رشيقاً وأكثر فيه من بيان الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الأشواق ولوعة الفراق والتعلل باستنشاق النسائم وغناء الحمائم والبروق اللامعة والنجوم الطالعة والتبرم بالعذال والعواذل والوقوف على الطلل الماحل. وإذا أخذت في مدح سي ذي أياد

فأشهر مناقبه وأظهر مناسبه وأبن معالمه وشرف مقاومه وأرهف من عزائمه ورغب في مكارمه وتقاض المعاني واحذر المجهول منها. وإياك أن تشوب شعرك بالعبارة الزرية والألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح خاطرك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب. واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه فإن الشهوة نعم المعين. وجملة الحال أن تعتبر لشعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسنه العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه ترشد إن شاء الله تعالى.

وكنت قد جمعت فصولاً يحتاج إليها العاقل في البلاغتين والراضع في الصناعتين من عدة كتب من كتب البلاغة وصرفت منها ما لا يحتاج إليه ونقحتها وحررتها وها هي:

ينبغي لك أيها الراغب في العمل السائر فيه من أوضح السبل بأن تحصل المعنى عند الشروع في تحبير الشعر وتحرير النثر قبل اللفظ والقوافي قبل الأبيات ولا تكره الخاطر على وزن مخصوص وروي مقصود وتوخ الكلام الجزل دون الرذل والسهل دون الصعب والعذب دون المستكره والمستحسن دون المستهجن. ولا تعمل نظماً ولا نثراً عند الملل ولا