الطريقة الوحيدة في مطالعة كتاب من الحكم بدون أن يمل هو أن يفتح كلما سنحت الفرصة وبعد أن يسقط فيه على ما يهمه منه يطبقه بعد تصفه صفحة أوص فحتين ويأخذ يفكر فإذا تصفحا كلها يكون أشبه بمن قلب مجموعة صور دفعة واحدة فلا يرتسم بمخيلته واحدة منها.
وتختلف طريقة المطالعة بسرعة أو بتأن بلا فاصلة أو بفاصلة بقلة أو بكثرة وهذا تابع لحالة القارئ وما يقرأ وحالة بصره وقوة انتباهه وأوقاته وخطر ما يتلوه وتأثير الكتاب فيه. وإن كتاباً في الفلسفة لا يقرأ كما تقرأ قصة وخير في الكتب المملة أن تتصفح تصفحاً وكل من يعيشون بين الكتب والمطبوعات والمخطوطات ويبحثون كثيراً فيما بين أيديهم لا يسعهم إلا أن يتصفحوا تصفحاً.
وكان لما كليابشي العالم الفلورنسي قيم الكتب (١٦٣٣ ـ ١٧١٤) طريقة خاصة في المطالعة فإذا وقع له تأليف جديد ينظر في عنوانه ثم يرجع إلى الصفحة الأخيرة منه ويتصفح المقدمات والفهارس والتقدمات. ويلقي نظرة على كل التفاصيل الرئيسية وكان له من الوقوف على التأليف ما يتمكن معه من معرفة حقيقة المصنف في لحظة بل أنه يعرف المصادر التي أخذ منها المؤلف. ومن أرباب الاختبار في معرفة القراءة من يعرفون ماهية الكتاب من تقليب أوراقه ويدركون ما في صفحة منه من الفوائد بمجرد إلقاء النظر عليها ومنهم من يعرفون كيف يتصفحون الجرائد فلا يقع نظرهم إلا على ما يهمهم منها ولا يضيعون ثانية من أوقاتهم في النظر بما لا يفيدهم.
ورأى بعض أهل العلم أن الذهن مهما بلغ من حدته يخون صاحبه في تذكر الفوائد التي قرأها فالأولى له أن يقيدها ولذلك كانت الفهارس مما يعين كثيراً على الرجوع إلى مضامين الكتاب. ومن عشاق المطالعة من لا يكتفون بتقييد الفوائد في تذكراتهم بل هم يكتبون على كل صفحة تهمهم كتابة تعلمهم على الكتاب نفسه ولكن أكثر باعة الكتب يرون هذه الطريقة مما يعوق الكتب عن بيعها إلا أن المؤلف ومحبي الاستفادة لا يهمهم إلا أن ينتفعوا من كتبهم ولو بتمزيقها وتشويهها وما الكتاب إلا أداة للتعلم يجب استخدامها على النحو الذي ينتفع به نفعاً حقيقياً بل هو رفيق وصديق تحب معارضته ومناقشته أحياناً وأن لا يسلم له كل ما يورده.