ليس بين المؤرخين من يقاس بمومسن في تحبير الصفحات التاريخية العظيمة أو تحريرها غير أرنست رنان فقط. فتلك التصورات الواسعة واحدة والنسبة فيما بينهما واحدة كما أن قوتهما في البيان والأداء سواء. أما المهارة في إشراب روح الحياة للأشياء كما كانت بإظهار دقائق التفاصيل والفروع الواسعة التي من شأنها أن تبقى في الحافظة منقوشة فواحدة أيضاً في المؤرخين مومسن ورنان.
ولما كان مومسن أيضاً كسائر مؤرخي الألمان المتفرغين عن نيبور يهتم كثيراً بحياة الأمم الشخصية وكيفية نشوئها وانتشارها فإنه وجد تاريخ رومية مساعداً كثيراً لإيفاء هذا المقصد الذي يتوخاه. ولما حل مسألة الوطنية ووضعها رغب في تعليمها معاصريه وكان مثل هيبولت تين يستمد من المخترعات العلمية والمكتشفات الفنية بأجمعها لأن تقدم العلوم ولا سيما ما يتعلق منها بعلم الحياة قد ساعد التاريخ كثيراً. فقد نقب مومسن أولاً عن بعض ما لخصت به ولم يقبل ما في مذهب تين من المادية البحتة بل ولا جميع أفكار المؤرخين في هذا الباب ومن جملتها إمكان استخراج خصوصيات أمة من أخلاقها الخاصة بها بل من الأمور التي هي من قبيل الأسباب المادية كالتراب والهواء ونمط الغذاء.
وكان نظره متجهاً نحو الحجرة الابتدائية للأمة الرومانية لأن بها فقط أمكن لرومية أن تحكم إيطاليا فالعالم أجمع. فاجتهد في كشف أسرار الرومانيين وسبب تفوقهم على الأمم القديمة متخذاً ذلك له أساساً متيناً فإذا أراد تعليل فوز الرومانيين وغلبتهم يبدأ في إظهار ذكاء هذا الجنس البراق وما فطر عليه من حب الإقدام والعمل وما يشعر به من تقديس الواجبات والقيام بها حق القيام وهكذا بعد أن تتبع كما رأيت أحوال الأمة الروحية في سائر مظاهرها أيام كانت عروق الحياة تنبض في جسمها وهو راغب في أن يجلو تاريخه على هذه الأفكار كلها ثم يزفه للناظرين.
على هذه الأصول نفسها جرى تين أيضاً في عامة مؤلفاته الانتقادية المهمة ولاسيما تاريخ أدبيات إنكلترا. وهذا الأسلوب من جياد الأساليب غير أنه له محذوراً واحداً وهو أن الحادثات تلد طبيعية والرابطة التي في خلالها تأخذ شكلاً منطقياً متسلسلاً بحيث يخيل أن هذه كلها قد أعدت من ذي قبل والنصر المتولي الذي بدأ من أبواب رومية ثم وقف في