يديه أصحابه فإذا بلغ المسجد وقف ودخل خليفته وكان مسلماً فيصلي بالناس ويخطب باسم الخليفة. ثم استمر الخليفة في سيره حتى جاء إلى قرية حقيرة فلم ينزل بها وهي طا النمل من مديرية الدقهلية وقد حرفنا اسمها تبعاً لأهلها فصار المشهور الآن (طنامل) وهما قريتان إحداهما شرقية والأخرى غربية وكلتاهما تبعدان عن مدينة المنصورة نحو ثلاث ساعات ولم تكن المنصورة موجودة في عهد المأمون لأن بناءها كان بعد ذلك في أيام الملك الكامل الأيوبي أثناء هجمات الصليبيين على مصر. فلما مر على القرية لم يدخلها لحقارتها فلما تجاوزها خرجت إليه عجوز تعرف بمارية القبطية صاحبة القرية وهي تصيح. فظنها المأمون مستغيثة متظلمة فوقف لها وكان لا يمشي أبداً إلا والتراجمة بين يديه من كل جنس فذكر له ان القبطية قالت: يا أمير المؤمنين نزلت في كل ضيعة وتجاوزت ضيعتي والقبط تعيرني بذلك، وأنا أسأل أمير المؤمنين أن يشرفني بحلوله في ضيعتي ليكون لي الشرف ولعقبي ولا تشمت الأعداء بي. وبكت بكاءً كثيراً فرق لها المأمون وثنى عنان فرسه إليها ونزل فجاء ولدها إلى صاحب المطبخ وسأله: كم تحتاج منم الغنم والدجاج والسمك والتوابل والسكر والعسل والطيب والشمع والفاكهة والعلوفة وغير ذلك مما جرت به العادة. فأحضر جميع ذلك إليه بزيادة. وكان مع المأمون أخوه المعتصم وابنه العباس وأولاد أخيه الواثق والمتوكل ويحيى بن أكثم والقاضي أحمد بن أبي داؤد فأحضرت القبطية لكل واحد منهم ما يخصه على انفراده ولم تكل أحداً منهم ولا من القواد إلى غيره. ثم أحضرت للمأمون من فاخر الطعام ولذيذه شيئاً كثيراً حتى أنه استعظم ذلك. فلما أصبح وقد عزم على الرحيل حضرت إليه ومعها عشرة وصائف مع كل وصيفة طبق فلما عاينها المأمون من بعد قال لمن حضر: قد جاءتكم القبطية بهدية الريف: الكامخ والصحناه والصير فلما وضعت ذلك بين يديه إذا في كل طبق كيس من ذهب. فاستحسن ذلك ومرها بإعادته. فقالت لاوالله لا أفعل. فتأمل الذهب فإذا به ضرب عام واحد كله. فقال: هذه والله أعجب ربما يعجز بيت مالنا عن مثل ذلك فقالت يا أمير المؤمنين لا تكسر قلوبنا ولا تحتقر بنا فقال: إن في بعض ما صنعت كفاية ولا نحب التثقيل عليكي فردي مالك بارك الله فيك فأخذت قطعة من الأرض وقالت يا أمير المؤمنين هذا (واشارت للذهب) من هذا (واشارت للطين) ثم من عدلك يا أمير المؤمنين وعندي من هذا شيء كثير فأمر به فأخذ منها وقطعها