لهذا بخمسين ألف من الستة آلاف الألف لا يختلس ناظري.
ثم أتى مصر فكان كلما دخل قرية أو مدينة ينزل على دكة قد بنيت لأجله ليكون مقامة مرتفعاً عن رطوبة الأرض فتضرب له على الدكة قبة بسرادق عظيم وتقيم العساكر حوله وكان يقيم في القرية يوماً وليلة فجاء عن طريق الفرما وفيها حضره الشعر فقال:
لليلك كان بالميدا ... ن أقصر منه بالفرما
غريب في قرى مصر ... يقاسي الهم والسدما
والسدم هو الهم مع الندم والحزن والغيظ والميدان موضع ببغداد اسم لبلد بكورة سابور من أعمال فارس ولا شك أنه تفكر أثناء وجوده بها في فتح قنال السويس الموجود فقد روى أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشطيبي (كذا) الأندلسي وقيل شهاب الدين أحمد المقري الفاسي في كتاب الجمان في مختصر أخبار الزمان المحفوظ منه نسخ متعددة بمكتبة باريس الأهلية أنه سعى في توصيل البحر الأحمر (بحر القلزم) بالبحر البيض المتوسط (بحر الروم) ولكنهم صرفوه عن هذه العزيمة خوفاً من الروم على مكة والمدينة كما خوفوا عمر بن الخطاب من قبله وهو أول من فكر في ذلك في الإسلام. ومر على دمياط ونزل عند قرية صغيرة اسمها بوره (وهي التي تنسب إليها العمائم البورية والسمك البوري وقد انحلت هذه العمائم باندثار القرية ولا يزال السمك باقياً يستطيبه المصريون إلى اليوم) فدخل عليه بكام القبطي من أهلها وكان ذا ثروة واسعة فخطب من المأمون عمارة بورة فقال له أسلم فتكون مولاي وأوليك فقال بكام: لأمير المؤمنين عشرة آلاف مولى مسلم أفلا يكون له مولى نصراني. فضحك منه المأمون وولاه عمالة بورة وما حولها. فبنى الرجل بها كنائس كثيرة حساناً وكان على باب داره المسجد الجامع فقال لأهل بورة من المسلمين أنا أبني لكم مسجداً جامعاً غير هذا واهدموا هذا المسجد من على باب داري فقالوا له ابن المسجد ونحن نصلي في هذا حتى إذا فرغت من بنيان ذاك صلينا به وهدمنا هذا المسجد. فبنى مسجداً كبيراً حسناً فلما فرغ منه ثقال لهم: فوالي بما وعدتموني فقالوا لا يجوز لنا في ديننا أن نهدم مسجداً قد صلينا فيه وأذنا وجمعنا فبقي المسجد على حالة وصار في بورة مسجدان تقام فيهما الجمعة فكان المسلمون يصلون جمعة في هذا وجمعة في ذاك. وكان بكام في يوم الجمعة يلبس السواد شعار بني العباس ويتقلد السيف والمنطقة ويركب برذوناً وبين