للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذهب المأمون إلى الشام فاشتاق للمنادمة فطلب رجلاً شامياً لمجانسته ومحادثته فأدخل له خواصه أديباً منهم وقالوا له: يا شامي أنت داخل على أمير المؤمنين فلا تسأله عن شيء حتى يبتدئك فإننا أعرق الناس بمسألتكم يا أهل الشام. فقال: لا أتجاوز أمركم. فلما استدناه المأمون وكان على شغله من الشراب قال له: إني أردتك لمجالستي ومحادثتي فقال الشامي: يا أمير المؤمنين إن الجليس إذا كانت ثيابه دون ثياب جليسه دخله لذلك غضاضة فأمر له بخلعة. فداخل الذي أدخله غضاضة ورعدة شديدة من هذا التهجم. فلما لبس الشامي الخلعة ورجع إلى مجلسه قال يا أمير المؤمنين: إن قلبي إذا كان متعلقاً بعيالي لم تنتفع بمحادثتي. قال الخليفة: احملوا إلى منزله خمسين ألفاً. فقال الشامي ولي عليك يا أمير المؤمنين خصلة ثالثة أرجو أن تنعم بها أيضاً. قال: وما هي؟ قال قد دعوت بشيء يجول بين المرء وعقله فإن كانت مني هنة فأغتفرها. قال: حباً وكرامة. فكانت الثالثة برداً وسلاماً على الذين أدخلوه وعجبوا من حلم المأمون وكرمه.

وقد اغتنم الخليفة فرصة وجوده بالشام لتحقيق مقدار السنة الشمسية فرصد ذلك بدار الرصد بدمشق المعروف بالشماسة وكانت له دار رصد أخرى ببغداد.

فلما كان في دمشق قل المال عنده حتى أضاق فشكا ذلك لأخيه المعتصم الذي تولى الخلافة بعده وكان المعتصم قد ورده خبر بأن ثلاثين أل ألف قد حملت إليه من خراج الأعمال التي يتولاها للمأمون فقال له: يا أمير المؤمنين كأنك بالمال قد وافاك بعد جمعة. فلما ورد خرج المأمون والقاضي يحيى ووجوه خاصته وسائر الناس لاستشرافه فوردت الصناديق محمولة على أباعر بأحلاس موشاة وجلال مزوقة وعليها شقق الحرير الصيني الأحمر والأخضر والأصفر فكان منظرها يروق العيون ويأخذ بمجامع القلوب فضلاً عن العجب بما عليها من الذهب. فقال المأمون ليحي: هل يصح أن ينصرف أصحابنا هؤلاء خائبين على منازلهم وننصرف نحن بهذه الأموال قد تمسكناها دونهم إنا إذا للئام. ثم دعا كاتبه فقال: وقع لآل فلان بألف ألف ولآلا فلان بمثلها ولآل فلان بخمسمائة ألف وما زال كذلك حتى فرق أربعة وعشرين ألفاً ورجله في الركاب ثم أمر بدفع الباقي للجند. وكان رجل من الكتاب حاضراً وهو العيشي صاحب إبي إصحاق النديم فأخذ ينظر للمأمون ولا يرد طرفه عنه بحيث كان الخليفة لا يحول نظره إلى جهة ولا يلتفت إلى شيء إلا وقعت عينه عليه فقال لكاتبه وقع