غير ما ذكرنا ففيها معادن لم تمسسها يد البشر. وإنك لتجد في جبال الأورال بروسيا من المعادن كميات وافرة لم يقم في فكر أحد أن يستخرجها ومثل ذلك في أفريقية وأميركا بحيث يصح أن نقول أن ما استخرج من ركاز الأرض ومناجمها أقل بقليل مما لم يزل مدفوناً في صدرها وبطنها فنحن لسنا في شقاء إلا لسوء تصرفنا في استخراج خيرات الأرض والانتفاع بنعم السماء لأن طريقتنا في أعمالنا ليست موافقة لمصلحتنا ومتى تعلمنا معرفة تطبيق أعمالنا على المصلحة الحقيقية فالشقاء يرحل عن هذه الكرة.
وإذا نظرنا إلى حقيقة الشقاء نراه يرجع إلى ثلاثة أصول رئيسة وهي المصائب الطبيعية والفساد والأحوال الاجتماعية فالأولى وهي من الغرق والشرق والحرق والزلزال وانفجار بركان والموت يمكن تلافي خطرها باقتصاد كل فرد عشرة أو عشرين في المئة من دخله يدخرها لحين الحاجة وبذلك إن لم يرفع عنه ثقل المصيبة فإنه يخففها على الأقل ويأمن تغييرات الفلك وسوء الطالع. والفساد يمكن تلافيه أيضاً كتلافي المصائب الطبيعية بأن يزيد الصالح من عمله قليلاً وينفق ما يفيض منه على أخيه. فرفع المصائب وتخفيف ويلات الفساد هو إذاً مناط بكثرة الإنتاج.
وما الخطأ الذي يحول دون الانتفاع بثمرات الأرض وثروتها إلا ناشئ مما يذهب إليه أكثر الناس من أنه لا يغتني مغتن بسرعة إلا إذا طالت يده لسلب مال أخيه لا بأن هو بنفسه. وهذا الفكر هو الذي جعل السرقة والغش واللصوصية والتعدي والامتياز وبعبارة أوجز جعل الاختلاس نافعاً لمن يأتيه. فإذا قدر للإنسانية أن تنجو من هذا الخطأ الفادح فالرفاهية العامة مضمونة للكافة. وما دام البشر ينظرون إلى الاختلاس على ضروبه بأنه نافع فسوف يبقون في شقاء وعلى العكس يكونون أغنياء سعداء متى اعتبروا الاختلاس ضاراً ومتى زاد التناسب حدة أورث الحياة ضعفاً تاماً أي موتاً. والتناسب بين المخلوقات والمحيط من حيث علم النفس هو الحقيقة وعدم التناسب هو الخطأ. ومن هنا كانت الحقيقة مولدة للاستمتاع والخطأ آتياً بالتألم فالخطأ هو مثل مرض عقلي ونتيجته بالطبع ضعف التركيب النامي إفرادياً كان أو إجماعياً قال بوهن: أليس الذكاء الإنساني الذي يراه كثيرون حاسة من شأنها الإحاطة بالأمور هو الأحرى بأن يكون قلة الكفاءة في إدراك الحقائق وذلك لأن الحيوانات تعرف أموراً قليلة ولكنها تسقط في أمور أقل منا فهي تفوقنا على ما فينا من