الأليم وأمل الحصول على لذة النعيم الأبدي الذي وعد به المتقون. ولا ينافي حب النفع الذاتي حب الخير للغير وقد يشترك الاثنين في معظم الأحيان. ودليل ذلك أن الإنسان أكثر ما يفكر في مصالح عياله ورفاهيتهم وضمان مستقبلهم. والأسرة منشأ القومية فمن أحب نفسه حباً خالصاً أحب عياله وأسرته ومن أحب عياله حباً شريفاً أحب مواطنيه وقومه. ولذلك كان حب الذات عاطفة شريفة تنافي الأنانية بتاتاً.
والإنسان مدفوع بهذا العامل لتقاضي حاجياته. والحاجيات من أهم المباحث التي يدور عليها علم الاقتصاد. وهي كما هو معلوم كثيرة متنوعة جداً تزداد بارتقاء الحضارة وتقدم العمران حتى أن بعضهم حدَّ الحضارة ببلوغ الحاجات درجة الكمال ولعل كثيراً من الناس يتساءلون: هل تقليل الحاجات أنفع للمجتمع الإنساني أم تكثيرها؟
قال أحد الفلاسفة القدماء: إذا أردت أن تكون ذا ثروة وغنى فقلل من حاجاتك ومطالبك بدلاً من أن تسعى في تزييد أموالك. وقال أرسطو: ما أقل القدر الذي يكفي لعيش الإنسان عيشة راضية. وقامت طائفة من الحكماء في هذا العصر بإحياء معالم الحكمة القديمة فاتخذت هذه الأقوال دليلاً مهماً وصارت تحث على الزهد والقناعة وجعلت تبدي أفكاراً كلها خيال في خيال وإليك جملة من أقوالها:
ما كانت حياة العظام الذين قاموا بأمر الإنسانية والفضيلة مثل المسيح وبوذا وزردشت وسبينوزا حياة سعيدة إلا لأنهم كانوا زاهدين قنوعين يحيون حياة روحية فهؤلاء ولأمراء خلقاء بأن يتخذوا مثالاً حقيقياً للاقتصاد.
يقول بوليو:
إنني لا أخشى من التصريح بأن هذه الأفكار الخيالية ليست على شيء من الأهمية في نظر العلم والمدنية. نعم إن من مقتضى قواعد الأخلاق أن نجعل نصب أعيننا مثال المسيح وبوذا وغيرهما من الزهاد المتقشفين كي يعدل فينا حب الثروة المفرط ويعرف الفقراء الذين خانتهم الحيل وأعوزتهم الوسائل أن سعادة الدنيا لا تتوقف على الثروة والمال بل قد يمكن للمرء أن يعيش مع الفقر عيشة طيبة إذا رضي وقنع. بيد أنه لا يتأتى للبشر كافة أن يعيشوا مثل المسيح وبوذا ولو فعلوا ذلك لما تيسر الوصول إلى هذه الدرجة السامية من الرقي والحضارة - انتهى بتصرف يسير.