وإنك لتجد الممالك الصغرى في أوروبا من العناية بأمثال هذه المشاريع ما للممالك الكبرى وزيادة. فإذا كنا نسمع بنور المدينة ينبعث من ألمانيا وانكلترا وفرنسا في أوروبا فإن سويسرا والدانيمرك والسويد والبلجيك وهولاندة لا تقل عنها في المشاريع العامة الخيرية إن لم نقل تفوقها في أكثر حسنات المدينة لأن اللقمة الصغيرة يسهل ازدرادها أكثر من الكبيرة كما يقولون ولأن الصغير المدبر يتيسر له ضم أطرافه أكثر من الكبير المتوسع في أملاكه. وخذ مثلاً لذلك البلجيك فإنها بفضل صندوق التوفير العام فيها قد أصبح خمسة عشر ألف عامل فيها يملكون بيوتاً يسكنونها وذلك في مدة عشر سنين أسلف هذا الصندوق في خلالها اثنين وثلاثين مليوناً من الفرنكات للعملة والشركات وبواسطتهم عمرت هذه البيوت الرخيصة على أن مثال فرنسا وألمانيا وغيرهما من الممالك الكبرى مهما عنين بإعانة البائسين وإيواء المساكين فلا يبقين إلا مقصرات فإن شركات ألمانيا وغيرها من الأفراد سلفت العملة ثمانمائة مليون مارك لمثل هذه الأعمال الاجتماعية وكذلك فعلت إنكلترا وأقرضت عملتها. فترى بعض شركات كشركة البناء فيها لا تبين بيوتاً بل تقرض مالاً للعملة يبنون لأنفسهم به فيؤذي العامل كل يوم اثنين عشرة فرنكات مثلاً أي ٥٢٠ فرنكاً في السنة بحيث يجتمع له بعد ثلاث سنين ١٦٠٠ فرنك وبذلك يبين بأنه يستطيع أن يقتصد وعند ذلك يعمد إلى شركة من شركات بناء الدور الرخيصة ويطلب إليها أن تقرضه مالاً لإنشاء مسكن فيؤدي إليها أولاً الـ ١٦٠٠ فرنك التي اقتصدها وثانياً مبلغ ٢٤٠٠ فرنك يدفعها بعد فتكون مكلها أربعة آلاف فرنك ويظل على تأدية عشرة فرنكات كل يوم اثنين من الاستهلاك وقد كثرت أنواع هذه الشركات وكان عددها في إنكلترا ٢٢٤٣ شركة لا يقل رأس مالها عن مليار فرنك حتى أن بعضهم رأى أن بعض تلك الشركات تقبض من العملة المشتركين معها كل يوم اثنين مليون فرنك.
كل هذه الأعمال لا ترى فيها الحكومة إلا أثراً ضئيلاً ما عدا ذلك فالأفراد والشركات سيديرون ما يديرون وكذلك رؤساء المعامل فإن منهم من يهتمون هناك بمصالح من يعملون عندهم اهتمامهم بمصالح أولادهم ولاسيما في البلاد الجبلية التي لا ترى فيها إلا صخوراً أو مضايق وأودية.
وقد استعمل بعضهم البيوت النقالة التي اخترعها الأميركان لتكون عوناً على استعمار