للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن عالم الخيال والأحلام. وإذ كانت إنكلترا استولت على البحر وفرنسا على البر لم يبق لألمانيا كما جاء في بعض أقوالهم المعروفة إلا أن تؤسس لها ملكاً في الهواء فأنشئت مملكة لا نظير لجلالها ولا قرين لعظمتها.

ولم تلبث هذه الأمة المتقهقرة الساقطة من حيث إدراك الحقائق الأرضية المولعة على ما يظهر بالخيالات والترهات أن نشأت فيها فكرة الإقدام على الأعمال وظهر للحال بأن الشعب الألماني ربما كان الوحيد بين شعوب أوروبا في استعداده للتقدم في الجهاد الاقتصادي. فهو لم يقتصر في نهضته الغريبة على اللحاق بالأمم اللاتينية التي سبقته زمناً إلى طريق الارتقاء المادي بل تقدم عليها حتى جعلها وراءه. وكاد يهدد اليوم إنكلترا أيضاً فيما كانت لها المكانة المكينة فيه منذ القديم في الأمور الصناعية والتجارية.

فبدا هذا الشعب البطيء الثقيل بعض الشيء القوي في ذاته السالم في نفسه أنه مستعد لترقية المدنية وأن بلاده صالحة لغرس بذورها. وهو لا يعشق مثلها البطالة والفراغ ولا يرغب في العيش في التغزل بالجمال وحسن العشرة بل أنه يميل من فطرته إلى الجد وهو قوي الشكيمة عامل لا يعرف الملل سليم الطوية.

سار منذ القديم على نظام دقيق في الأخلاق. وخضع منذ أزمان لقانون قاس في التدريب على الجندية. وفي مثل من كانت هذه طيبته خالية من الزهو والظرف ولكن فيها المتانة وطول الأناة كبرت إرادة قوية صبورة منظمة لها من الكفاءة ما تستطيع معها أن تأخذ سبيلها الذي سلكته والغاية التي قصدت إليها من دون أن يلهيها الهوى والشهوة وبغير أن يثنيها ثان من صعوبة أو تحول دون أمانيها عقبة.

تطمح ألمانيا إلى بسطة سلطانها مدفوعة إلى ذلك لا بعامل الرغبة في أن تكون في مقدمة الأمم وأن تظهر شأنها وأمرها ولا من أجل المنافع المادية التي تحاول نيلها بل أنها تريد رفعة الشأن لذاتها لأنه مقياس حقيقي لما يساويه رجل أو جماعة أو حزب أو أمة.

ألمانيا مسوقة إلى المشاريع التجارية بنابل من ناموسها الاقتصادي تضطرها إليه ضرورة ملازمة لها ملازمة محتمة. الألماني كثير النسل للغاية. فقد ازداد سكان ألمانيا من نحو ٢٥ مليوناً سنة ١٨٤٦ إلى زهاء ٣٦ مليوناً سنة ١٨٥٥ إلى ٦٠ مليوناً سنة ١٩٠٥ وأنت أعلم بأن هذه الزيادة تزيد في عدد الأسر والبيوت.