وهذا النمو من الأمور التي ساعدت على نماء الثروة بينهم لأن الزائد كل سنة من أبناء الأمة ينشأ منهم لألمانيا جيش من العاملين الذين تحتاج إليهم الصناعة في ترقية شؤونها وقد انتشر فكر الإقدام على الأعمال في الطبقة الغنية من الأمة انتشاراً كثيراً. وإنك لترى رب الأسرة منهم غير طامع أن يترك لأبنائه كما هو الحال عند الفرنسيس مقاماً كريماً يعده لهم ودخلاً مضموناً يتمتعون به بعده بل أنه يربيهم تربية متينة ويجهزهم لجهاد الحياة بأقوى جهاز ثم يتركهم وشأنهم يجدون في الأرض مرتزقاً.
فيروح الشاب يتعب ويفرغ الجهد مخافة أن يسقط عن المكانة التي بلغها أهله. وهكذا كانت كثرة النسل في هذه الأمة مهمازاً قوياً يحث ألمانيا على النهوض إلى طلب الثروة والشوكة. وهذا الجهاد في سبيل العظمة يكبر ويضخم في عامة شؤون الحياة الألمانية وفي جميع فروع الجهاد البشري. فتراه متجلياً في الأفراد وفي الأحزاب السياسية وفي الطوائف الاجتماعية وفي الحكومات المتحدة وثابتاً بمجموع الأمة الألمانية بأسرها فيما تظهر فيه من مظاهر بسط السلطة وما حازته من الاشتراك في سياسة العالم. هذا الجهاد يرمي إلى رفعة شأن الجندية والبحرية والنفوذ السياسي والقوة الاقتصادية والصناعية والتجارية والتقدم العلمي. لأن العلم أيضاً صورة من صور السلطة البشرية ولا شك أن ألمانيا حازت قسطاً كبيراً من نجاحها بواسطة علمها.
صحت العزائم على التدريج وقويت إرادة السيادة وأُشربتها روح الألماني فمال إلى التهذيب بكليته. ولم يكن ميل الألمانيين إلى الفنون ميلهم إلى القوة لأن الفنون كالدواء المتمم لدواء أفعل منه فهي لا تقصد من ثم لذاتها. على أنه مما يجب أن يعرف أن رغبتهم في القوة لم تكن رغبة في القوة الوحشية الظالمة ذات الأهواء والأحكام العرفية التي تظلم عن تغفل وهوى وهي منافية للحق والعدل بل أن رغبتهم كانت مصروفة إلى القوة الذكية المفكر فيها التي تقبل لأنها مشروعة بفضيلتها الذاتية لا لأنها نافعة عاقلة. ومن العادة أن تقوى القوة على الضعف وأن تخضع الطبقة النازلة للطبقة العالية. الألمان احترموا القوة التي هي حق أيضاً ولأنها تعبر عن تقدم حقيقي يقضي العدل بأن يعترف به ويحترم.
جهاد الألمانيين لبسط سلطانهم يجري على ترتيب وتنسيق ما أمكن فإن نظام حرية المنافسة وهي عبارة عن محاربة الفرد للمجموع وتحريك الأنانية الشخصية يحتوي في مطاويه ولا