شك مبدأً فوضوياً أقرب إلى الانحلال منه إلى التماسك. فيتأتى له أن يكون كما كان سابقاً في إيطاليا على عهد النهضة مثاراً للشخصيات الساخطة التي تنازع غيرها للتفوق عليه واليأس آخذ مأخذه ويهلك بعضها بعضاً بلا شفقة. بيد أنه من الثابت أن ارتقاء مبدأ حرية العمل في ألمانيا لم يؤدي إلى نتائج من هذا القبيل. فإن المنافسة بين الأفراد وبين المجموع على كثر ما تكون من الشدة ولكن لا يستحيل أبداً إلى فتن لا نظام فيها.
طال جهاد ألمانيا في سبيل الوحدة السياسية واستعر النزاع بين حكوماتها في أمره فانتهت حالة بحرب. ولما أصدر المحكمون من النائبين عن الأهلين حكمهم في هذا الشأن سكنت الكراهية وزالت الأحقاد ورضيت الأمة في الحال بما وضع لها من نظام جديد وبدلاً من أن تضيع الوقت في شحناء لا فائدة منها وتنهك قوتها في الانتقاض العبث راحت تجمع قواها لدفع غارة الحروب السياسية التي يشتد بينها الخصام ويدوم ولكنه لا ينتهي في الغالب بفتن شعواء. وربما كان بين الطبقات المختلفة عندهم أشد مما هو عند غيرهم ولكنك لا تجد فيه ما يستشم منه ريح الثورة حتى أن الفكر الإصلاحي يقوى شيئاً فشيئاً بين الحكومات التي ترى التوسع في جمع رؤوس الأموال وبين الاشتراكيين الألمان ممن آلوا على أنفسهم ألا أن ينافروا الحكومات فتراهم يقضون بدون تقية على كل ما من شأنه أن يدعو إلى القسوة ويتحامون الوقوع فيما يؤدي إلى اتخاذ سلاح القوة ولو كان فيه تحقيق أمانيهم وإبلاغهم غاياتهم وهم يصرحون جهاراً بكرههم لمقاومة روح الجندية وللاعتصاب العام.
ترى المنافسة الصناعية والتجارية مشتد \ ة كل الاشتداد وهمم الأفراد بالغة أقصى الشدة والجرأة ولكن ألمانيا وهي مهد الشركات العظمى المؤلفة من أرباب المعامل أو العملة هي على التحقيق من البلاد التي بذل فيها الجهد لتنظيم أسباب الإنتاج ووضع المراقبة على أسواق المقايضات ليكون من ثم للمنافسة حد محدود ويقلل من معاودة الأزمات وإضعاف شدتها إذا حدثت.
وعلى الجملة الجهاد الشخصي على أشده في ألمانيا ولكن لا يؤدي فيها إلى فوضى الأفراد وربما كان ذلك من الصفات التي اختص بها هذا العنصر.
اللماني يقلى شعوره بالنسبة لغيره من الأمم الأخرى في الحاجة إلى ترقية شخصيته ترقية تامة فيختار برضاه أن يحشر نفسه في بعض أعمال خاصة ينصرف إليها بجملته. ويؤثر