للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن طيب خاطر أن يفادي بجزء من شخصيته وذاتيته ويكتفي كما يقول التعبير الألماني بأن يكون منه جزء من إنسان بل أن يكون منه أخصائي يقوم أحسن قيام بعمل اختص به كل الاختصاص دون أن يعني بما يخرج عن الدائرة التي وضع نفسه فيها وآلى أن لا يتعداها. ومن أجل هذا السبب يختار أن يشرك غيره معه وأن يكون تبعاً له ولا يرى حرجاً في الانضمام إلى الجماعات التي تكثر في ألمانيا.

يؤثر الألماني أن يجعل نفسه جزءاً متمماً لبناء متسع تتألف منه آلة تختلف الحاجة إليها والاستغناء عنها. وهو يسعد بأن يفادي بحظ نفسه من أجل منفعة تأتي ببعض الأعمال الكبرى ويخلص في سبيل نجاحها. وبالجملة إن في الألمان غريزة التهذيب بنظام واحد فيحسن الألماني الطاعة كما يحسن الأمر ويعرف كيف ينفذ الأوامر الصادرة إليه على غاية التدقيق كما يعرف بذل الهمة في الدائرة المختصة به.

الشعب الألماني يخرج الأعضاء النافعة الرائعة من بنيه ممن هم عمد أبنية المجتمع الضخمة اللازمة للقيام بالأعمال المهمة من جيوش وطنية وإدارات كبرى ومشاريع متسعة من مالية وصناعية وتجارية ونقابات.

الألماني لا ينفك عن الانضمام والتآلف حتى في الفنون التي من شأنها الانفراد وإنك لتراه حتى في الموسيقى يجري على نغمة واحدة. وهذا الذوق في الاشتراك والخضوع طبيعي فيه فهو لا يكره على الخشوع للنظام صاغراً بل يقوم به والسرور ملء جوانحه. هو أخصائي يلذه ما هو فيه ولا يأسف على ما يبقى خارج أفقه على الدوام. نعم هو يقتنع بالوقوف دون حدود كفاءته والسرور يبدو عليه ممزوجاً بالزهد وربما ظهر عليه شيء من الاحتقار والاستهزاء بالذي يعرف القشور ويحشر نفسه فيما لا يعلم ويدعي أنه يناقش بل يحل المسائل السياسية والدينية والفنون والأخلاق. صاحب الجد في الألمان يحتقر بفطرته المرتجلين والمقتنصين الذين يخبطون ويخلطون ومعلوماتهم ناقصة وسطحية ممن يعانون كل موضوع ويتسلقون عليه وليس لهم سلاح ماض من الكفاءة ومن خلق اللماني أن لا يلقي بنفسه خارج المحيط الذي يعرفه وإن شئت فقل أنه يقل فيه الفضول ويرى ن غاية العالم هو ما اختص به وتفرد بعلمه.

كان من نتائج هذه الغريزة في الألمان من الخضوع للنظام وترتيب طبقات المجتمع عندهم