الغنائم فرأى من الأطعمة شيئاً عظيماً فبعث بمن يليه من العرب فاقتسموا خزائنها وجعلوا يطعمونه الفلاحين وبعثوا بخمسه لعمر وكتبوا أن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها وأحببنا أن تروها ولتذكروا إنعام الله وأفضاله. ثم أن بعض الفرس حملوا إلى أبي عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة فارس والألوان والأخبصة وغيرها فقالوا هذه كرامة أكرمناك بها وقرى لك فقال: أأكرمتم الجند وقريتوهم مثله قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون قالوا فرده وقال: لا حاجة لنا فيه بئس المرء أبو عبيدة إن صحب قوماً من بلاده أهرقوا دماءهم دونه أو لم يهرقوه فاستأثر عليهم بشيء يصيبه لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم غلا مثل ما يأكل أوساطهم. قال زياد بن حنظلة في فتح عمر بن الخطاب لإيلياء من أبيات:
وألقت إليه الشام أفلاذ بطنها ... وعيشاً خصيباً ما تعد مآكله
وبذلك عرفت أن معظم الأطعمة الشهية فارسية أو رومية استعملها العرب في البلاد التي نزلوها ومنها ما عربوه ومنها ما أبقوه على حاله ولكل بلد خصائصه في مآكله ومن تعمد استقصاءها يضطر بعد البحث الشديد إلى وضع مصنف فيها يكون من أنفع الدروس الصحية والاجتماعية لا محالة. ومن المجالس الغريبة المجلس الذي عقده المستكفي بالله ليتذاكر مع ندمائه أنواع الأطعمة وما قال الناس في ذلك منظوماً وقد أورد المسعودي في مروج الذهب هذه القصائد ومنها قصيدة لابن المعتز يصف سلة سكارج كوامخ وأخرى لكشاجم في صفة سلة نوادر وثالثة لابن الرومي في صفة وسط ورابع لإسحاق الموصلي في صفة سنبوسج وأخرى لكشاجم في وصف هليون وغيرها للحافظ الدمشقي في وصف إدريسة وغيرها في وصف المضيرة ولغيرة قصيدة في جوزابة.
ومن القصائد التي ورد فيها ذكر بعض الأطعمة الدمشقية حوالي القرن الرابع للهجرة قصيدة أبي القاسم الحسين بن الحسين بن واسانه بن محمد المعروف بالواساني الذي كان في زمانه كما قال الثعالبي في اليتيمة كابن الرمي في أوانه وصف ما جرى عليه في الدعوة التي عملها في قرية جمرايا من أعمال دمشق وقد أخذها صاحب اليتيمة برمتها: فقال أنه أحسن فيها غاية الإحسان وأبان فيها عن مغزاه أحسن بيان وتصرف فيها وأطال وأمكنه القول فقال وإذا تخلص الشاعر عن الإطالة والوصف هذا التخلص وسلم مما يؤديه إلى التكلف والتلصص فهو الذي لا يدرك غوره ولا يخاض بحره.