الناس يخلطون بني التربية والتعليم فيرونهما شيئاً واحداً على أن التربية غاية والتعليم واسطة فالغرض من التربية أن تربي في الطفل شعور مكارم الأخلاق فتكون سلماً يصعد به على ذرى التعلم فتصرف وكدها في إنارة عقله وحكمه عندما يتجليان وتكون أخلاقه رقيقة متينة فيصبح الطفل على ثقة من تنبه الشعور والعقل والعمل عندما يبلغ سن الرجولية ويتعلم عمل الخير والإدراك والتأمل كما يتعلم الإرادة وصحة العزيمة فتربية الوجدان تهم كما تهم تربية العقل وكثر المدارس لا تعنى بالتربية الأولى فتأتي أمراً أداً يجب أن يعلم الأطفال مكارم الأخلاق فإن صلاح المرء بأن يكون عادلاً وحكيماً ويجب أن يربى في المرء قوة التمييز وتنمى فيه قوة الانتباه وهي القوة التي تنفع أكثر من تحصيل المعارف الجديدة كما يجب تربية دائرة العقل وإمداده بالأدوات الأولى التي يهيء أمامه سبل العمل فالأرض الزراعية مهما بلغت من الخصب تحتاج أن تعد لها المعدات وإلا فلا تنبت فيها البذر الذي يبذر فيها.
ثم أن حسن العشرة والسلوك في المجتمع مناطان بأخلاق الفرد وعلى قدر أخلاقه في الغالب تكون أعماله وجهاده. ومتى ظهرت في الطفل علائم إرادته الأولى كان منها توجه نفسه إلى العمل فإن لين أخلاقه ومضاءها تعلمانه أن يعنى بالضروريات الخارجية بدون أن تؤثر فيها كل التأثير. فحربتنا الأدبية هي عبارة عن اعتمادنا على أنفسنا.
فإن قيل هل يجب أن تكون التربية عامة أم أهلية أي أن تربية الأطفال في المدارس العامة خير أم تربيتهم في بيوت أهليهم فقد ذكر الفيلسوف ديدرو كلمات في هذا الصدد هي جماع الحكمة في التربية وهي على اختصارها أجمل جواب على هذا السؤال قال: لقد قضيت السنين الأولى من حياتي في المدارس العامة ورأيت أربعة أو خمسة تلاميذ من الطبقة العالية يتناوبون في غضون السنة المكافآت ويتناولون الجوائز فيدخلون بتقدمهم اليأس على نفوس رفاقهم وتأخر هؤلاء عن اللحاق بهم، رأيت عناية الأستاذ مصروفة إلى تخريج هذا العدد المختار القليل من الطلبة ويهمل من عداهم ورأيت معظم هؤلاء الأولاد يخرجون من المدرسة بلهاً مغفلين وجاهلين فاسدين فقلت في نفسي: يا لشقاء أب يستطيع أن يربي ابنه في بيته فيرسله إلى مدرسة عامة. ليت شعري من أين أخذ البشر المعارف التي تميز بها في الآداب بعض الرجال الذين ربوا في المدارس ومن السبب في وصولها إليهم؟ لا جرم