أنها ابنة دروسهم الخاصة. ولطالما أسفوا وهم في حجراتهم للوقت الذين قضوه على دكات المدرسة. فكيف السبيل إذاً؟ هل تصلح الحال بتغيير طريقة التعليم العام ومتى اغتنى المرء يربي ابنه في منزله. أنا لا أستحسن تربية الدير للبنات إلا إذا كانت أخلاق الأمهات فاسدة ولا أستحسن المدرسة للبنين إلا إذا كان الآباء مسرفين يعطون ألف ريال للحوذي الذي يسوق مركباتهم وألفي ريال للطاهي الذي يطبخ طعامهم.
هذا ما قاله ديدرو وقال مونتين يجب أن تصرف خمس عشرة أو ست عشرة سنة للدرس والباقي للعمل. وما قطبا الحياة في الحقيقة إلا الفكر والعمل فالأول يولد الثاني والثاني متمم للأول. ويقول بعضهم أن التربية لا ينتهي دورها إلا بانقضاء أجل الحياة على أنه من اللازم أيضاً أن ينظر بأن التجربة التي يحرزها المرء كل يوم يكون لها عمل لتنوب مناب التربية كلما تفهمها ولا تربي إلا إنساناً ناقصاً.
أما فيما يتعلق بالمواد التي يجب تعليمها فيجب أن يتوسع فيها ما أمكن فمن الميسور تلقين الطفل أموراً كثيرة إذ القوة الحافظة فيه على أتمها وقد أخطأ روسو في كتابة (أميل) في رأيه أن الاستظهار يضعف الذاكرة على أن الذاكرة ليست خزانة يحشر إليها الطفل صنوفاً من المبادئ يرجع إليها الطفل فيما بعد. فبعد أن يلقن الطفل واسطة للحصول على معارف حقيقية بتعليمه القراءة والكتابة يجب أن يعلم لغة بلاده ومبادئ العلوم الطبيعية والظواهر الجوية والرياضيات وذلك إما بدرسها في كتاب أو في نقشها ورسمها والعلم ينزع الخرافات ويودع في النفس فكر الارتقاء الثابت والنشوء البطيء المنظم بنواميس. يصدق هذا على الحالة الاجتماعية والسياسية كما يصدق على الحالة الطبيعية والجيولوجية. ويعلم الطفل الأعمال اليدوية والرياضية. ويعلم التاريخ لا التاريخ المملوء بالشوائب بل التاريخ الحقيقي. فبالتاريخ يتجلى له بأن الكمال ممكن وأن الناس آخذون في السير نحوه فيحب المتعلم طريقة الحكم الديمقراطي ويؤثرها على غيرها من أنواع الحكم كما يعلم أن يحب كل من قضوا نحبهم في سبيل ترقية البشر وكل من نقلوا إلينا حرية الوجدان. ويجب أن يعلم الطفل مع هذه المواد فن الآداب حتى لا يكون غريباً عن مظهر من مظاهر الجمال ويمتزج في روحه الفتية حب الكمال قال بول برت: من الواجب أن يتعلم الطفل اللغات الأجنبية بل اللغات الميتة حتى لا يفوته شيء مما أنتجته المدارك البشرية ولا يكون بعيداً