تولد عام الأربعين الذي انقضى ... لثالث قرن ذي مآثر أزوال
إلى زكريا ينتمي أنه له ... أب تاجر في الريّ صاحب أموال
على حين كانت بلدة الريّ غادةً ... إلى العلم يعطو جيدها غير معطال
مدارس بالشبان تزهو ودونها ... كتاتيب للتعليم تزهو بأطفال
بها جل درس القوم طب وحكمة ... وفلسفة فيها لهم أي إيغال
وكانت نفيسات الصنائع عندهم ... يحاولها ذو الفقر منهم وذو المال
وما كان هذا الحال في الريّ وحدها ... بل الحال في البلدان طر كذا الحال
فإن هدى الإسلام أنهى فتوحه ... وأوصلها للحد أحسن إيصال
وبدل أبطال الحرب من الورى ... بأبطال علم للجهالة قتال
فدارت رحى تلك العلوم وقطبها ... ببغداد مركوز بربوة إجلال
وكانت يد المأمون في ذاك أخجلت ... لسنا العلى في شكره أي إخجال
منشؤه
تدرج في تلك المدارس ناشئاً ... مترجمنا يسعى بجد وإقبال
تعلم فن الصوت بديء بدئه ... ومارس تفضيلاً به بعد إجمال
فكانت بموسيقى اللحون دروسه ... تغني بإهزاج وتشدو بإرمال
وقد جاوز العشرين سناً ولم يكن ... لشيء سوى فن الغناء بميال
فرام أبوه منه تحويل عزمه ... بجذب إلى شغل التجار وإدخال
غفال له دعني مع العلم إنني ... إذا ما أمتُّ الجهل أحييت آمالي
وهل يستطيع المرءُ شغلاً إذا غدا ... له شاغل بالعلم عن كل إشغال
هناك استقى الرازي من العلم شربة ... فجاد بإعلال له بعد إنهال
سعى سعيه نحو التعلم بادئاً ... بعلم لدى أهل التفلسف ذي بال
وقد كان مفتاح العلوم تفلسف ... تفك به من جهلهم كل أغلال
فزاول أنواع العلوم تنقلاً ... بابين أوضاح لها غير أقفال
نضا همة في العلم مشحوذة الشبا ... جلت ما لحرب الجهل من ليل قسطال
وقد أكمل الطب المفيد قراءة ... على الطبري الحبر أحسن إكمال