تراجان وأدريتن إسبانيين وولد أنطونين في نيم ولم يكونوا أمراء من أسرات إمبراطورية خلقت لكي تتولى رقاب الناس منذ ولادتها. وقد تولى الحكم أربعة أمبراطرة وهم عقيمون فلم يتسن نقل الحكم بالوراثة. وكان الإإمبراطور يختار كل مرة من قواده وولاته أقدر رجل يخلفه ويتبناه ويعينه باختيار مجلس الشيوخ له وهكذا لم يبلغ عرش الإمبراطورية إلا أناس محنكون يخلفون آباءهم في مركزهم بدون قال وقيل.
ولقد كان عصر الأنطونيين أهدأ العصور التي عرفها العالم القديم والحروب تنشب بعيدة عن تخوم المملكة ولم يحدث في الداخلية شغب عسكري بتاتاً ولا مظلمة ولا أحكام جائرة فكبح النطونيون جماح الجند بتدريبهم على النظام ونظموا المحاكم ومجل الإمبراطورية وهو مؤلف من الفقهاء والمشرعين واستعاضوا عمن حرروهم من العبيد الذين طالما سخط الرومانيون عليهم على عهد الاثني عشر قيصراً بأناس من الموظفين النظاميين اختاروهم من أشرف الطبقة الثانية (يعني الفرسان) وما عاد الإمبراطور ظالماً يخدمه جند بل كان حقاً الحاكم الأول في الجمهورية لا يستعمل سلطته إلا لما فيه نفع شعبه.
حارب الأنطونيون حروباً كثيرة ليدفعوا الشعوب المحاربة التي كانت تحاول مهاجمة الإمبراطور من ناحيتين. فحاربوا في أسفل نهر الطونة الداسيين وهم شعب بربري سكن البلاد الجبلية ذات الغابات التي نسميها الآن ترانسلفانيا كما حاربوا على الفرات حكومة البارثيين العسكرية الكبرى التي جعلت المدائن عاصمتها قرب بابل وكان مملكتهم تمتد على طول بلاد فارس.
ولقد حمل تراجان على الداسيين عدة حملات واجتاز الطونة وربح في ثلاثة مواقع واستولى على عاصمة ملك الداسيين (١٠١ ـ ١٠٢) وتفضل عليهم بالصلح ولما عاود الداسيون الحرب عمد تراجان أن يأتي عليهم فأنشأ على نهر الطونة جسراً من حجر وهاجم ولايتهم فضمها إلى المملكة الرومانية (١٠٦) وأنزل فيها طوارئ \ ومستعمرين أنشئوا فيها مدناً وأصبحت ولاية داسيا بلاداً رومانية تكلم أهلها باللاتينية وتخلقوا بالأخلاق الرومانية.
ولما انجلت الجيوش الرومانية في أواخر القرن الثالث كانت قد استحكمت اللغة اللاتينية من الداسيين وظلت شائعة في بلادهم خلال القرون الوسطى على الرغم من غارات برابرة