الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه ومع أن كان يلحن ويخطي: إذا قرأ القرآن وإذا أنش بيتاً لا يقيم وزنه وإذا تحدث أو قرأ لحن اعتماداً منه لذلك فقد صنف قرابة مائة مصنف وكان يرى رأي الخوارج ولذلك كثر الطاعنون في نسبه ومشربه ومذهبه وتوفي سنة ٢٠٩.
كان أبو المحاسن الرُّوياني المتوفى سنة ٥٠٢ من رؤوس الأفاضل في أيامه يقول: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من خاطري. وقال أبو بكر النحوي: لما قد أحسن بن سهل العراق قال: أحب أن أجمع قوماً من أهل الأدب فأحضر أبا عبيدة والأصمعي ونصر ابن علي الجهضمي وحضرت معهم وأفضنا مرة في ذكر الحفاظ فذكرنا الزهري وقتادة ومررنا فالتفت أبو عبيدة فقال: مال الغرض أيها الأمير في ذكر من مضى وبالحضرة ههنا من يقول ما قرأ كتاباً قط فاحتاج إلى أن يعود فيه ولا دخل قلبه شيءٌ فخرج عنه فالتفت الأصمعي وقال: إنما يريدني بهذا القول أيها الأمير والأمر في ذلك على ما حكى وأنا أقرب إليك قد نظر الأمير فيما نظر فيه من الرقاع ـ وكان نظر قبل أن يلتفت إليهم في رقاع بين يديه للناس في حاجاتهم فوقع عليها فكانت خمسين رقعة ـ وأنا أعيد ما فيها وما وقع به الأمير على رقعة رقعة قال فأمر وأحضرت الرقاع قال: الأصمعي سأل صاحب الرقعة الأولى كذا واسمه كذا فوقع له بكذا والرقعة الثانية والثالثة حتى مر في نيف وأربعين رقعة فالتفت إليه نصر بن علي فقال: أيها الرجل ابقِ على نفسك من العين فكف الأصمعي.
ومالي وتعداد الأسماء على هذا النحو فكتب القوم طافحة بها وإنما يكفي منا التمثيل والقليل يغني. ولقائل أن هذا القدر من الحفظ كان بعضه شائعاً في القرنين الأولين والقرون الثلاثة وقد بالغ فيه الرواة حتى اتصل بنا على هذه الصورة وما حجتي في نقض هذا إلا وقوع أمثال أمثاله في كتب أهل القرون المتأخرة مما تواطأ الثقات على نقله وتحرزوا في إثباته. ولقد كان الغرب في هذه المزية كالشرق إذ قد حذا المغاربة في حضارتهم وعلومهم حذو المشارقة. فقد كان ابن عبدون أحد فحول شعراء الأندلس وكتابها متكثراً من الحفظ. قال الوزير أبو بكر بن زهر فبينما أنا قاد في دهليز دارنا وعندي رجل شيخ أمرته أن يكتب لي كتاب الأغاني فجاءَ الناسخ بالكراريس التي كتبها فقلتُ له: أين الأصل الذي كتبت عنه لأقابل معك به قال: ما أتيت به معي فبينا أنا معه في ذلك إذ دخل رجل بذ الهيئة عليه