وبين السري في شأن المصالتة والمسارقة وما أقدم عليه من دس أحسن أشعارهما في شعر كشاجم وكان أفضل الشام والعراق إذ ذاك فرقتين إحداهما وهي في شق الرجحان تتعصب عليه لهما لفضل ما رزقاه من قلوب الملوك والأكابر والأخرى تتعصب له عليهما. ثم أورد صاحب اليتيمة من أشعارهما ما هو السحر الحلال وما اتفق لهما من التوارد مع السري أو التسارق في زهاء عشرين صفحة. وقد ظفرنا للخالديين بكتابهما الحماسة أو الأشباه والنظائر فرأيناه جمع فأوعى من شعر الجاهليين واستشهد عليه بما أخذه عنهم المولدون أو زادوه عليهم من المعاني والتصورات قالا في مقدمته:
الحمد لله بلا كيفية تقع بها الإحاطة عليه والأزلي بلا وقت تنسب الصفات إليه حمداً يورد من حليل نعمه وجزيل قسمه مشرباً عذباً ومسحباً رحباً وصلى الله على سيدنا محمد ما أورق شجر وأينع ثمر وعلى الطاهرين من عترته وسلم تسليماً وبعد فسبح الله لنا في مدتك ووفقنا لما نؤثره من خدمتك فإنا ك بأشعار المحدثين كلفا وعن القدماءِ والمخضرمين منحرفاً. وهذان الشريجان هما اللذان فتحا محدثين باب المعاني فدخلوه ونهجوا لهم طريق الإبداع للمعاني فسلكوه أما زاد الله قدرك علواً ورفعة وسمواً قول الشاعر:
فهو قبل مبكاها بكيت صبابة ... إليها شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم
ومن أمثالهم السائرة ما ترك الأول للآخر شيئاً إلا أن أبا تمام لم يرض بهذا المثل حتى
قال يصف قصيدة له:
لا زلتَ من شكري في حلة ... لابسها ذو سَلب فاخر
يقول من تقرع أسماعه ... كم ترك الأول للآخر
ومن المعنى الأول قول عنترة هل غادر الشعراء من متردم أي ما تركوا كلاماً لمتكلم فإذا كان عنترة وهو في الجاهلية الجهلاء وما لهم من فصاحة الفصحاء يقول مثل هذا القول فما ظنك بهذا العصر وقبله بمائتي سنة فلسنا بقولنا هذا أيدك الله نطعن على المحدثين ولا نبخسهم تجويدهم ولطف تدقيقهم وطريف معانيهم وإصابة تشبيههم وصحة استعاراتهم إلا إنا نعلم أن الأوائل من الشعراء رسموا رسوماً تبعها من بعدهم وعول عليها من قفا أثرهم وقلَّ شعر من أشعارهم يخلو من معان صحيحة وألفاظ فصحية وتشبيهات مصيبة