أتتني آية من أم عمرو ... فكدت أغص بالماء القراح
فما أنسى رسالتها ولكن ... ذليل من بنوا بلا جناح
قول ذليل من يبوء بلا جناح الأمثال الجياد المختارة.
وقال جران العود النميري ولا يعرف في نسيب الأعراب وغزلهم أحسن ألفاظاً من هذه القصيدة ولا أملح معاني والمختار منها قوله:
ذكرتَ الصبا فأنهلت العين تذرف ... وراجعك الشوق الذي كنت تعرف
وكأن فؤادي قد صحا ثم هاجه ... حمائم ورقٌ بالمدينة تهتف
فبت كأن العين أفنان سدرة ... عليها سقيط من ندى الطل ينطف
أراقب لوحاً من سهيل كأنه ... إذا ما بدا من آخر الليل يطرف
فلا وجد إلا مثل يوم تلاقحت ... بنا العيس والحادي يشل ويعطف
وفي الحي ميلاءُ الخمار كأنها ... مهاة بهجل من ظباءٍ تعطف
تقول لنار العيس صعر من السرى ... فأخفافها بالجندل الصم تقذف
حمدت لنا حتى تمناك بعضنا ... وقلنا أخو جدّ عن الهزل يصدف
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية ... مراراً وما نهوى الذي يتعجرف
فموعدك الوادي الذي بين أهلنا ... وأهلك حتى نسمع الديك يهتف
ويكفيك آثار لنا حين تلتقي ... ذيول نعفيها بهن ومطرف
فنصبح لم يشعر بنا غير أنه ... على كل حال يحلفون ونحلف
فأقبلن يمشين الهوينا تهاديا ... قصار الخطا منهن راب ومزحف (؟)
فلما هبطن السهل واحتلن حيلة ... ومن حيلة الإنسان ما يتخوف
حملن جران العود حتى وضعنه ... بعلياَء في أرجائها الجن تعزف
فبتنا قعوداً والقلوب كأنها ... قطاً شرع الإشراك مما تخوف
علينا الندى طوراً وطوراً يرشنا ... رذاذ سرى من آخر الليل أوطف
ينازعنا لذاً رخيماً كأنه ... عوابر من قطر حداهن صيف
رقيق الحواشي لو تسمع رهاب ... يبطنانَ قولاً مثله ظل يرجف
ولما رأين الصبح بادرن ضوَءه ... كمشي قطا البطحاء أوهن أقطف