وما بنَّ حتى قلن بالبيت إننا ... تراب وإن الأرض بالناس تخسف
فأصبحن صرعى في الحجال كأنما ... سقاهن من ماء المدامة قرقف
يبلغهن الحاج كل مكاتب ... طويل العصا أو مقعد يتزحف
رأى ورقاً بيضا فشد جزيمه ... لها فهو أمضى من سليل وألطف
ولن يستهيم الخرد البيض كالدمى ... هدان ولا هلباجة الليل مقرف
ولكن رقيق بالصبا متطوف ... خفيف لطيف سابغ الذيل أهيف
يلم كإلمام القطامي بالقطا ... وأسرع منه لمة حين يخطف
فأصبح في التقينا غدية ... سوار وخلخال وبرد مفوف
أما قوله:
فبت كأن العين أفنان سدرة ... عليها سقيط من ندى الليل ينطف
فمن أحسن ما قيل في الدمع وأجوده وشبيه به قول الآخر
لعينك يوم البين أسرع وأكفا ... من الفنن الممطور وهو مروَّح
وقيل هذا البيت قد جوّد أيضاً وزاد على من تقدمه وأتى بعده وذاك أنه لم يرض أن يكون دمعه مثل الفنن وهو الغصن الذي يقطر المطر على ورقه فهو يجري حتى قال وهو مروح أراد أن الريح تحركه فهو لا يهدأ من القطر وليس بعد هذا نهاية في تحاور الدمع وسرعته وقوله:
أراقب لوحاً من سهيل كأنه ... إذا ما بدا من آخر الليل يطرف
مليح التشبيه صحيح لأن من تأمله رآه كأنه عين تطرف وقوله يصف قولها له
وفيك إذا لاقيتنا عجرفية ... مراراً وما نهوى الذي يتعجرف
يقال أن النساء يملن إلى من كان فيه دعابة ولهو ولا يملن إلى غير ذلك فذكر جران العود عنهن أنهن قلن له لست على ما وصف لنا لأن فيك عجرفية وقد وصفت لنا بغيرها حتى تمنيناك وما نحب الذي يتعجرف ويذكر أن كثيراً أنشد بعض نساء الأشراف قوله:
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأعرضن عنه هيبة لا تجهما
يحاذرن مني نبوة قد عرفنها ... قديماً فما يضحكن إلا تبسما
فقالت له يا ابن أبي جمعة أبهذا القول تدعى الغزل والله لا نال وصلنا وحظي بودنا إلا من