الأسمطة للعامة ويؤاكلهم وأن الوليد بن عبد الملك بنى في مدينتكم دار الضيافة العامة وهو أول من فعل ذلك في الإسلام وذلك للتحبب إلى الرعية بمخالطتها وتعرف أحوالها وكان الخلفاء يسائلونهم في العلم والسياسة بهذه الوسيلة وها هو التاريخ وها هي كتب الأدب تخبرنا بكثير من الإصلاحات التي حدثت بهذه الواسطة الشريفة التي كانت تربط الأمة بالخليفة وسرت من الأمويين إلى العباسيين فكان الرشيد يجالس الناس على المائدة فكانت حكومة المسلمين في الصدر الأول وفي أيام السلف الصالح أشبه بشيء بالحكومة الديموقراطية أي حكومة الأمة بالأمة كما هو الحاصل الآن في دولتنا العثمانية فلم يكن فيها من القاب الشرف ولا رتب ولا يكون التعظيم إلا بالكنية وهي من المفاخر التي استأثر بها العرب دون سائر الأمم إلى هذا الزمان فكانوا يقولون أبو فلان فإن لم يكن له ولد قيل أبو فلان باسم أبيه هكذا كان الناس في أيام بني أمية مهما بلغت درجاتهم وعلت مناصبهم كما هو الشأن الآن في بلاد الأميركان التي هي بلاد الحرية الحقيقية بأكمل معانيها فليس منهم إلا مستر فلان حتى رئيس الجمهورية فنازلاً من الوزراء إلى كل أرباب الوظائف إلى عامة الناس وكذلك الحال في بلاد سويسرة التي تتفجر منها ينابيع الحرية الصحيحة في أوربا فلا يمتاز فيها ولا في أميركا رجل بأي لقب اللهم إلا باللقب الذي يطابق رتبته في العسكرية فقط. فأما أول من تلقب من الخلفاء فهو عبد الله أبو جعفر وقد غلب لقبه حتى أنني لو اكتفيت بهذه الإشارة عنه لما عرف من هو إلا الأقلون وأما ما ذكرت لكم اللقب الذي اشتهر لعرفتموه لأنه أصبح له علماً في التاريخ وهو المنصور ثاني الخلائف من بني العباس ثم تغلغلت الدول الإسلامية في الألقاب فكثرت وتنوعت وتعددت حتى صرنا إلى ما ترونه الآن فصار الجوهر تغشاه أعراض براقة خلابة ضغطت عليه وطمست معالمه حتى كاد يضيع إن لم نقل ضاع فصرنا ولنا الألقاب نتهافت عليها ونتطلبها من سبيل الحرام أكثر مما نتطلبها من سبيل الحلال بل أصبحنا وعدم الالتقاب هو اللقب فيا حبذا الرجل منا الذي يشابه الحرف عند النحاة فيكون عدم العلامة له هو العلامة.
أما وقد تنبهنا من رقدتنا وأخذنا بأسباب الرجوع إلى الحياة فقد أشار إلى محو الرتب وإلغائها كاتب مجيد في جريدة شوراي أمت التي تطبع بالتركية في عاصمة الإمبراطورية العثمانية فأستميحكم أن أقول كلمة في هذا الموضوع.