للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقد جاء الوقت الذي نجاهر فيه بضمائرنا وأميالنا ونقول الحق ونصدع به فقد كان هذا العاجز يقول لكثير من أصدقائه في مصر أنني والله أحب أن أتخلى عن هذا اللقب الذي نلته بجدي واجتهادي ولطالما جاهدت بالتأفف منه استنكافاً منه لأنني أراه فوق قدري ولكن استنكافاً لكثيرين ممن حازوه أو حازوا أعلا منه وهم إنما شروه بفضل الدراهم أو ببعض المساعي الممقوتة. كثيرون من أصدقائي وهم أحياء يرزقون يشهدون لي بأنني طالما تمنيت على الله أن يزول عني هذا اللقب لا بالتجريد فإنه مشين ولكن بالتسليم فإنه شريف بحيث أرجع إلى اسمي أحمد أفندي أو أحمد بن إبراهيم أو أبو إبراهيم أحمد زكي فأتكنى باسم والدي إذ قد جعلني الله في نعمة وافية من عدم الحصول على خلف لي ولكن الآن يجب أن نشير في محو الألقاب بطريقة معقولة مقبولة فلا نلغيها مرة واحدة من الحاصلين عليها لأنهم ربما لا يرضيهم ذلك وهم إن لم يعبروا عن عدم رضاهم جهراً فربما يكون فيهم كثيرون لا يرضون به سراً ونحن في عصر الحرية ينبغي أن نحترم إرادة كل إنسان وأن لا يقتات البعض على البعض ولو في الألقاب. وأحسن وسيلة هي أن لا نسلك في هذا الموضوع شططاً بل نسير فيه سيراً وسطاً وذلك في رأيي هو تخبير أصحاب الألقاب في التنازل عنها فمن رضي فيها ونعمت ولا ريب أن الأكثرين يرضون التجرد من هذه الألقاب التي قد ترهقهم عسراً أما الذين يريدون حفظها فأمرهم إليهم. ولكن الدولة تقرر أنها من الآن فصاعداً تلغي الرتب فلا ألقاب عندها منذ اليوم بحيث لا يأتي زمن طويل حتى تنقرض الألقاب ويبقى الناس كلهم أفندي أو سيد أو خواجه أو شيخ أو أبو فلان وتصبح الأمة كلها سواء تحت هلال الدستور لا يتميز بعضهم على بعض إلا بالعمل النافع للمجموع فتكون الأمة كلها راقية لأن كل فرد يتطلب النبوغ ويسعى إلى التفوق بكده وجده وحسبنا ذلك فخاراً.

بهذه الوسيلة يزداد سواد أهل الفضل في هذه البلاد فيكون لأهل العلم والعمل دلال على أرباب الدولة كما كان لأمثالهم في أيام عز الإسلام فإن الخليل بن أحمد الذي ذكرته في صدر هذه المحاضرة كتب إليه سليمان بن علي الهاشمي يستدعيه لتعليم ولده بالنهار ومنادمته بالليل وبعث إليه بألف دينار ليستعين بها على حاله فأخرج للرسول زنبيلاً فيه كسر بالية وقال: إني ما دمت أجد هذه الكسر غني عنه وعن غيره ورد الألف دينار على