الرسول وقال أقرأ على الأمين السلام وقل له أني قد ألفت قوماً وألفوني أجالسهم طول نهاري وبعض ليلي وقبيح بمثلي أن يقطع عادة عودها إخوانه وإني غنيّ عنه وعن غيره وكتب إليه بهذه الأبيات:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
وأن بين الغنى والفقر منزلةً ... معروفة بجديد ليس بالبال
سما بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال
والفقر بالنفس لا بالمال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
والرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
والخليل هذا كان يقسم الأيام إلى ثلاثة: معهود ومشهود وموعود وكان دائماً يتمثل بقوله:
يكفيك من دهرك هذا القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت
ولم ينفرد الخليل بهذه المزية الفاخرة في التكبر والدلال على أهل الدولة وأرباب المال فأمثاله كثيرون أذكر منهم من يحضرني ذكره في هذا المقام فمنهم حماد بن أبي سلمة دخل عليه مقاتل بن صالح الخراساني فإذا ليس في البيت إلا حصير وهو جالس عليه وبيده مصحف يقرأُ فيه وبجانبه حراز فيه علمه ومطهرة يتوضأُ فيها. قال مقاتل فبينا أنا عنده جالساً دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا قالت: رسول محمد بن سليمان قال قولي له يدخل وحده فدخل فناوله كتاباً فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن سليمان إلى حماد بن أبي سلمة أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فإنا نسألك عنها والسلام.
فقال يا صبية: هلمي بالدواة. ثم قال لي اقلب الكتاب واكتب: أما بعد وأنت صبحك الله بما صبح أولياءه وأهل طاعته. إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً فإن كانت وقعت مسألة فأتنا وسلنا عما بدا لك وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي والسلام.
فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي انظري من هذا قالت: محمد بن سليمان قال: قولي له ليدخل وحده فدخل فسلم ثم جلس بين يديه. فقال مالي إذ نظرت إليك