بقسطنطينية وأنت لا تدري أحي هو أم ميت فقال فمن قال رأيك يا أمير المؤمنين قال ما ترى في عمر فقال أعلمه والله صالحاً فاضلاً خيراً فقال إن وليته ولم أول أحداً من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه فكتب له وجعل من بعده يزيداً أخاه وختم الكتاب وأمر بجمع أهل بيته فقال لهم هذا عهدي فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا على من فيه فغفلوا. فجاء عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حياة فقال يا رجاء قد كان لي عند سليمان حرمة وأنا أخشى أن يكون قد أسند إليّ من هذا الأمر شيئاً فإن كان فأعلمني أستعف فقال رجاء والله لا أخبرك بحرف واحد فمضى. ثم جاءه هشام فقال لي حرمة وعندي شكر فأعلمني فقال لا والله لا أخبرك بحرف فانصرف هشام وهو يضرب بيد على يد ويقول: فإلى من. ثم جددت البيعة ومات سليمان. فقرأ رجاء بن حياة الكتاب فلما ذكر عمر بن عبد العزيز قال هشام والله لا نبايعه. فقال له رجاء والله إذن اشرب عنقك. قم فبايع. فقام يجرر رجليه ويسترجع إذ خرج عنه هذا الأمر وعمر يسترجع إذ وقع فيه. ثم جيءَ بمراكب سليمان بن عبد الملك مراكب الخلافة فقال عمر قربوا إليّ بغلتي ثم خطب فقال: أيها الناس قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني ولا مشورة وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم فصاح الناس صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين تلي أمرنا باليمين والبركة. فقال أوصيكم بتقوى الله خلف من كل شيء ليس من تقوى الله خلف وبعد أن أتم خطبته نزل فدخل داره فأمر بالستور فهتكت وبالثياب التي كانت قسطاً للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال ثمنها في بيت المال. ولما بلغ الخوارج سيرته وما رد من المظالم قالوا ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل.
وقد حدثنا التاريخ بأن عمر بن عبد العزيز اشترى ملطية من الروم بمائة ألف أسير فأرضاهم وجعل لدولته سداً منيعاً دونهم فكانت أيامه كلهاً سلاماً في سلام فانظروا إلى ما جرى في هذه الأيام فقد قامت النمسا بالتهام البوسنة والهرسك غنيمة باردة وبغير ثمن فهل عندها مائة ألف أسير أو أسير واحد فقط.
ولعمري ما كان أغناها عن الدخول في هذه الورطة التي أوقعت نفسها فيها بلا طائل ولا فائدة معجلة أو مؤجلة ظاهرة أو باطنة لأنها تحتل هاتين الولايتين بمقتضى معاهدة برلين فأي فائدة لها في هذا التملك الذي لا يرضى به حر عاقل أو ذو ضمير حي ولذلك قابلتها