ومشى العباسيون على هذه السنة حتى أن المعتصم عندما جلس مع سماره في أواخر الثلث الأول من الليل ومعه كأس يشربها قال أحد سماره: أنه سمع من رجل قادم من الثغور ثغور الروم أن في عمورية امرأة مسلمة في الأسر قالت وامعتصماه فختم على الكأس وقام من فوره وأخذ الجند حتى استولى على عمورية وخلص الأسيرة ثم شرب كأسه.
ومثلهما المنصور بن أبي عامر في الأندلس فقد بلغه أن بأرض الجلالقة أسيراً يستنجد به فقام من مجلس سمره لا يلوي على شيء حتى فتح تلك الحصون وخلص الأسير.
بهذه العناية من العلماء على طلب العلم ومن الرؤساء على حفظ بيضة الدولة كان للأمة الإسلامية مقام كبير حتى إذا ما تولاها التراخي فأهملت شؤونها سقطت إلى الحضيض. أما وقد رأيناها وهي تتأهب بفضل الدستور وفي ظل الهلال المنير لاسترجاع مجدها فقد وجب علينا أن نتعاون قلباً وقالباً على العمل فيما يرفع شأنها فبإعمال الإفراد يرتقي المجموع وترتفع منزلة الدولة.
وكيف لا نصل إلى هذه الغاية من أيسر طريق وفي أقرب وقت وقد رجعت دولتنا إلى السنة القديمة المجيدة تلك السنة التي قامت بفضلها الدولة العربية في أبهى المظاهر وأبهر المناظر ـ تلك السنة يا سادتي هي سنة الشورى التي أمر الله بها المسلمين وقامت بها دولتهم فعنت لها المشارق والمغارب.
فإن الدين الإسلامي يأمر بالشورى فإذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن دولة الإسلام بعد أن ذهب صاحب هذا الدين إلى الرفيق الأعلى قد قامت بالشورى وبالمبايعة من الجماعة فقد اتفقوا كلهم على أبي بكر ثم تسلسلت الحوادث وصارت الخلافة ملكاً عضوضاً يتوارثها الأبناء أو الأعمام أو أبناء الأعمام في الشرق والغرب في دمشق وفي بغداد وفي القاهرة وقرطبة في المغرب الأقصى وفي القسطنطينية يتوارثونها بالبيعة ولكنها بيعة مزدوجة تكون أولاً من الخاصة الذين يتفقون على الخليفة ثم من العامة الذين يقرون على ما أقره الخاصة ولا نجد لذلك استثناء إلا في دمشق فإن عمر بن عبد العزيز بعد أن جاءته الخلافة عفواً تنازل عنها وقصة ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما مرض كتب كتاب العهد لابنه أيوب ولم يكن بالغاً فرده عن ذلك رجاء ابن حياة فقال له ما ترى في ابني داود فقال له