وسلم فنرد عليكم حجتكم في المفاخرة ونقول: أخبرونا إن قالت لكم العجم هل تعدون الفخر كله أن يكون ملكاً أو نبوة فإن زعمتم أنه ملك قالت لكم: وإن لنا ملوك الأرض كلها من الفراعنة والنماردة والعمالقة والأكاسرة والقياصرة وهل ينبغي لأحد أن يكون له مثل ملك سليمان الذي سخرت له الأنس والجن والطير والريح وإنما هو رجل منا أم هل كان لأحد مثل ملك الإسكندر الذي ملك الأرض كلها وبلغ مطلع الشمس ومغربها وبنى ردماً من حديد ساوى به بين الصدفين وسجن وراءه خلقاً من الناس تربي على خلق الأرض كلها كثرة لقول الله عز وجل (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) فليس شيء أدل على كثرة عددهم من هذا أو ليس لأحد من ولد آدم مثل آثاره في الأرض ولو لم يكن له إلا منارة الإسكندرية التي أسسها في قعر البحر وجعل في رأسها مرآة يظهر البحر كله في زجاجتها وكيف ومنا ملوك الهند الذين كتب أحدهم إلى عمر بن عبد العزيز: من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك والذي تحته بنت ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل والذي له نهران ينبتان العود والفوة والجوز والكافور والذي يوجد ريحه على اثني عشر ميلاً إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً أما بعد فإني أردت أن تبعث إليّ رجلاً يعلمني الإسلام ويوفقني على حدوده والسلام. وإن زعمتم أنه لا يكون الفخر إلا بنبوة فإن منا الأنبياء والمرسلين قاطبة من لدن آدم ما خلا أربعة هوداً وصالحاً واسماعيل ومحمداً ومنا المصطفون من العالمين آدم ونوح وهما العنصران اللذان تفرع منهما البشر فنحن الأصل وأنتم الفرع وإنما أنتم غصن من أغصاننا فقولوا بعد هذا ما شئتم وادعوا.
ولم تزل للأمم كلها من الأعاجم فيكل شق من الأرض ملوك تجمعها ومدائن تضمها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة ورمانة القبان التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والإسطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به علم الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف لم يكن للعب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها ويقمع ظالمها وينهى سفيهها ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر وقد شاركتها فيه العجم وذلك إن للروم أشعاراً عجيبة قائمة الوزن والعروض فما الذي تفخر به العرب على العجم فإنما هي كالذئاب العادية والوحوش