للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهم البروتستانت إلى المهاجرة من ألمانيا وفرنسا إلى إنكلترا وهولاندة حيث نشروا العلوم ووسعوا دائرة الأفكار فترقت بهم البلاد وأفاضت المعارف منها على باقي بلاد أوربا.

سعى القوم وراء العلم والمعارف كثيراً فكان ذلك أسهل طريق لتأصيل دعائم التمدن بينهم حتى أن غاليله لما قال بدوران الأرض وأنكروا قوله وحكموا عليه بالإعدام قدم إلى النطع والسيف وهو يقول: ومع ذلك تدور. وكذلك قام في إيطاليا (جوردانو برونو) فأحرقوه بالنار لأنه نشر أفكاراً حرَّة وأما اليوم فكم له في بلاد أوربا من تماثيل لأنه كان من الذين سعوا في تفكيك الرقاب من ربقة الجهل والعبودية.

ثم قام ميرابو بنشر الأفكار الحرة بين الشعب حتى أن الملك أرسل من قبله إلى هذا الحزب رجلاً يقول لهم (اخرجوا من هذه الدار) فأجابوه نحن هنا نواب الشعب بإرادته فلا نخرج إلا بأطراف الحراب وكذلك قام (دانتون) وكان يخطب بالقوم ويقول: من أراد الظفر فعليه بالجرأة والإقدام وليكن شعاره على الدوام الجرأَة والإقدام ـ جاء فولتير وروسو فأقاموا هذا الصرح العظيم فوق ذلك الأساس المتين وكانت إحدى الجمعيات العلمية حينئذٍ اقترحت وضع كتابٍ في الاجتماع والعمران جاعلة مكافأة كبيرة لمن يسبق في هذا المضمار ويجيد في التأليف فألف عندها جان جاك روسو كتابه (عقد الاجتماع) إلا أنه لم ينل الجائزة المعينة وإنما أخذها رجل آخر لأغراض في النفوس لكن الأفكار لم تستنر إلا بهذا الكتاب ولذلك أسبل الدهر ستره على ما سواه.

انتشرت بهذه الوسيلة روح الحرية في فرنسا فكانت سبباً لتقويض أركان الاستبداد ورفع منار الحرية على تلك البلاد وصار كل واحدٍ يقول ما يريد لأن الأفراد أصبحوا أحراراً في أقوالهم وأفكارهم وبذلك بلغت أوربا ما نراه اليوم من التقدم المدهش وخوارق الأعمال.

انتشرت الحرية من فرنسا إلى أمم أوربا فترتب على ذلك وجود المجالس النيابية وهي حكومة الشعب بالشعب التي كانت السبب لرقي دول أوربا كلها. وهم اليوم على هذه الدعامة الإسلامية فالحمد لله الذي أعاد لنا الشورى في هذه الأيام. في تلك الآونة انفسح المجال أمام التجار وبات لهم طريقان طريق من الشرق وهو طريق رأس الرجاء الصالح وطريق من الغرب وهو طريق أميركا لكن بعد الشقة وطول المدة التي تزيد عن سبعة عشر يوماً ألجأتهم إلى فتح ترعة السويس فكانت أكبر ممهدٍ للتجارة وترقيها على ما نشاهده